يمتلئ كل بلد في العالم بشركاته المحلية والخارجية المتخصصة في استشارات إدارة الاستراتيجية. فتجد الشركات الباحثة عن معونة استشارية استراتيجية في مجالها خيارات كثيرة جداً ويغدو قرار اختيار الشركة الاستشارية الصحيحة مهمة مربكة متعبة.
ورغم وجود هذا الكم الوافر من الخبرات فإن هناك كثيراً من الشركات يمتنع عن طلب المعونة الخارجية، وقد يكون قرار الامتناع هذا خيراً لكل الأطراف المعنية. فإدخال المشورة الخارجية ليس بالأمر الصالح والمناسب للجميع. فعندما تدخل شركة استشارية للمساعدة في رسم الاستراتيجية أو في مواجهة تحديات معقدة فإن ذلك الدخول كثيراً ما يكون تمريناً يجبر القادة التنفيذيين على خلع اعتدادهم بالكبرياء والأنا وتركه عند الباب ومواجهة مشكلات منظماتهم وعاداتها البالية مواجهة عاريةً صريحةً كل الصراحة. ليست كل الشركات مستعدةً لهذا، وماذا عنكم، هل أنتم مستعدون؟
استخدام المعونة الاستشارية مسؤولية وليس تخلصاً من مسؤولية.
إن طلب المعونة ليس سهلاً أبداً، واستقبال المساعدة إن جاءت قد يكون الأصعب أحياناً. بناءً على سعة وعمق وموضع التدخل الاستشاري فإن تلقي المعونة الاستشارية قد يبدو تدخلاً اقتحاميا. وإلى جانب بعض الإثارة التي تسري في بداية الأمر بين القيادات الإدارية وكبار الموظفين فهناك في العادة أيضاً خليط من الخوف والحيرة والتشكّك.
الخوف: يمكن لاستخدام المساعدة الخارجية أن يثير الخوف في رؤوس المديرين والموظفين على حد سواء. ماذا لو كان هؤلاء الاستشاريون مخرّبين يفسدون علينا أمورنا أكثر ممّا يصلحون؟ أتراهم سيغيرون إلى الأبد كل تلك الأمور الحسنة في الشركة؟
القلق: التخطيء والغرق في تحليل وتقييم ما قمنا به سلوك فطري لدينا نحن البشر. وهذه هي الحال خصوصاً بعد اتخاذ قرارات كبيرة.
ماذا لو أنني اخترت الشركة الاستشارية غير الصحيحة؟
وأساساً، هل يمكن لأي جهة خارجية أن تأتي وتساعدنا حقاً؟
إن لم يكن هؤلاء الاستشاريون خبراء في مجال عملنا فهل يمكنهم حقاً القيام بشيء أكثر مما نستطيع نحن القيام به؟
التشكك: أتساءل إن كنا مخطئين أصلاً في استراتيجيتنا التي كنا نتبعها حتى الآن، لا أريد أن أخبرهم بكل ما يجري هنا حتى لا يظهر فريق إدارتنا بمظهر سيء. ربما يمكننا الاكتفاء بالتريث ومشاهدة ما سيكتشفون بأنفسهم وماذا سيقترحون.
بالطبع، هذه الهواجس أمور طبيعية ومتوقعة. مثلما قد يحدث مباشرةً بعد أن يشتري أحدنا شاشة تلفزيون كبيرة متطورة، يشعر بالندم، لكنه يعلم أنها ستمتعه في المستقبل فتراه يتمسّك بقرار شرائه.
لكن هذا لا يعني أن كل شركة يصلح لها الدخول في معاملة استشارية. ليس كل المنظمات لديها القيادة التي لا تخاف، والالتزام الذي لا بد منه للمضيّ بتقييم ناقد لعملهم، حتى عندما تكون نيتهم جعل المنظمة أفضل من خلال التغيير. وقد تسألون: لم نقول هذا؟ لأن هناك خصالاً معينة ينبغي أن تمتلكها الشركات قبل العمل مع المؤسسات الاستشارية في مشاريع إدارة استراتيجية.
هل أنتم جاهزون حقاً؟
ما الخصال التي تجعل منظمة مستعدة كما ينبغي للعمل مع شركة استشارية إدارية؟ دعونا ننظر في بضع سمات رئيسة:
الصدق والشفافية مع أنفسهم ومع الاستشاري، والانفتاح على التقييم الناقد، الانفتاح على التغيير، إرادة بذل ما يلزم من وقت وجهد، إرادة المؤازرة من قبل القيادة.
من دون هذه الخصال لن يكون الإقدام على التعاون مع شركة استشارية فكرة سديدة مجدية. دعونا ننظر فيها واحدة واحدة.
الشفافية
تأمل في الشفافية المفترضة في العلاقة الاحترافية مع محاميك الذي اخترته ليفيدك من خبرته. استشاريك الإداري هو كذلك المحامي أو الطبيب يحتاج إلى الحقيقة. كم سيكون بإمكان هؤلاء أن يساعدوك من دون أن تفتح أمامهم أبوابك المغلقة وتشعل الأضواء؟ لابد من أن تضع تحت أيديهم كل المعلومات حتى تكون نصيحتهم سديدة مفيدة.
الشؤون الداخلية التي لا تكثر الشركة من الحديث عنها ينبغي أن تخرج من العتمة إلى الأضواء حتى يستوعب الاستشاري صورة واضحة كل جوانب الشركة: كيف تعمل، وكيف لا تعمل في بعض الأحيان.
إن البوح ببعض أسرار شركتكم القاتمة قد يكون محرجاً، أو حتى مهيناً. لكن هذا البوح ليس بالسوء الذي تتصورون عندما تفعلون ذلك وأنتم تحاولون تحسين شركتكم. الإقرار بنواقصكم وتفهمها يعبّد الطريق إلى التغيير والتحسين.
ومن منظور الاستشاري أيضاً، هذا الانفتاح قد يكون مسألة صعبة. ينبغي على استشاري الإدارة توجيه أسئلة سابرة والمخاطرة بالاحتكاك والضغط على مواضع حساسة مؤلمة من دون استخدام مخدرات موضعية تخفف وجع المريض واستياءه. ينبغي على الاستشاري أن يناقش ما يتوصل إليه مع فريق الإدارة العليا لدى العميل مناقشة صريحة قد تعري في بعض الأحيان ثغرات ونقاط ضعف لدى الأفراد أو المجموعات.
لدى الاستشاريين، لن يكون تقديم الأنباء السيئة سهلاً في أي حال. أحياناً، ينبغي على الاستشاري أن يناقش تحديات صعبة مع العميل ويكشف لهم الحاجة إلى القيام بتغييرات شاقة مريرة. إنه مكون أصيل من مكونات هذا المجال، عندما تدعو الحاجة إلى التحدث بالأخبار السيئة مع العميل فإن القيام بهذا هو الواجب المؤتمن عليه هذا الاستشاري. ولكنّ هذا لا يعني أن الأنباء السيئة ينبغي أن تنقل نقلاً صادماً من دون تلطف ولا تعاطف. يُدرك استشاري الإدارة أن عليه انتظار ردّات أفعال من العملاء، من غضب أو استياء أو مفاجأة أو إحباط. ينبغي أن تقدم الأنباء السيئة على طبق من شرح النتائج المستخلصة، والمقترحات، وخطط العمل المنصوح بها. ينبغي أن يتوقع العملاء ذروة الاحترافية في مثل هذه الظروف.
الانفتاح على التقييم الناقد
بغض النظر عن تحديات في المقام الأول السبب الذي يجعل الشركات تستأجر خدمات الاستشاري الإداري هو ليكون صادقاً، ويقيّمها تقييماً ناقداً، ويرسم التوصيات ويساعد في تخطيط وتنسيق مسيرة التغيير. إنها وظيفة الاستشاري: تفهّم وتمثّل المعلومات الصحيحة للمساعدة في إنجاز التحسينات في ممارسات العميل. عموماً يقتضي هذا الأمر التقرّب تقرّباً شديداً من ثقافة المنظمة لدى العميل، وقيادتها، وتفهّمها للسوق، وتحدياتها، وفرصها. ولا يقتصر الأمر على الأخبار السيئة. فاستشاريو الإدارة يكتشفون بالتأكيد أشياء حسنة سارةً أيضاً. لكنّ اهتمامهم في هذه الجوانب الحسنة ينبغي أن يركّز على حماية واستدامة الجوانب الشغّالة.
القول أسهل من التطبيق، لكن هذا الانفتاح على التقييم الناقد يبقى مطلباً جوهرياً لانتزاع النجاح في كل الأحوال على الإطلاق.
الانفتاح على التغيير
بعد أن أنجزت مؤسستكم الاستشارية تحليلها لمنظمتكم وقدمت لكم مكتشفاتها وتوصياتها، هل منظمتكم مقبلة على إنجاز التغييرات التي رسمها الاستشاريون؟ هناك مثل قديم يقول “لا أحد يحب التغيير سوى طفل مبلل“. وانتظار أن يكون التغيير محبباً ميسّراً هو انتظار إلى الأبد. لا تنتهي كل التعاملات الاستشارية بالتوصية بتغييرات، لكن ما العمل إن كان هذا هو الحال؟ لن يكون هناك أي معنى لتحمل كل تلك النفقات والجهود التي يقتضيها العمل مع الاستشاري إن كانت قيادة المنظمة وإدارتها غير منفتحي الأذهان ومستعدتين لتنفيذ تغييرات استراتيجية إذا ما دعيت إليها.
الكاتب: جو إيفانز: استشاري مخضرم والرئيس التنفيذي لشركته الاستشارية الخاصة.
نحن في شركة الإبداع الخليجي كشركة استشراية بخبرة أكثر من عقدين، ساعدنا ولا نزال المنظمات لتجاوز أزماتها وتحدياتها عبر برامج تدريبية احترافية صممناها لهذه الغاية بالإضافة إلى تقديم استشارات دقيقة في العديد من المجالات… ماذا عن منظمتكم، ما أكبر التحديات والعقبات التي تواجهها؟