أقلام عالميةالتطوير المهنيجاي موريسي

لا تهدر حياتك لتحسين حياتك… (جزء2)

ساعات عملك الإضافي هل تضيف لك شيئاً غير المتاعب؟

(إكمال الجزء الأول من المقال: https://www.gulfinnovation.com/alamalebdaa/?p=1339&preview=true)

في بناء السمعة والصورة المتألقة انتبه!.. مصيدة الحداثية قد تصيدك لا تصيد لك

في بداية انطلاقك لإثبات نفسك وإظهار مقدرتك وصبرك تشعر كأنك مقاتل باسل. تذهب في الكفاح والصمود أبعد وأشد مما يدعوك إليه الواجب العسكري. تقول لنفسك: لا بأس، إنني أبني اسماً محترماً وسمعة حسنة لدى أصحاب ومديري العمل. لكن انتبه! هناك من يقف لجهودك بالمرصاد. هناك مغالطة فطرية في تفكير البشر تدعى مغالطة الحداثية Recency fallacy مهما كنت تفعل من قديم، فإن التصور الذي يرسمه الناس لك يعتمد وحسب على مناسبة أو مناسبات التعامل الأخيرة بينك وبينهم.

إن كان شخص لطيفاً في التعامل معك خلال التعاملات الخمسين الماضية ثم كان فظاً جافياً هذا اليوم فكيف سيكون شعورك تجاهه؟ على الأغلب ستنسى المرات الكثرة من تعامله اللطيف وينصرف تركيزك على المواجهة الأخيرة التي كان فيها فظاً.

مغالطة الحداثية هذه تمتد عدواها فلا تقتصر على الأفراد بل توجد لدى الشركات وأرباب العمل. إن سمعتك تتوقع وترسم بناءً على سلوكك المشاهد أخيراً، فإياك أن تخدع نفسك بظن أن العمل الإضافي المجاني أسابيع وشهوراً سيؤثر على تصور صاحب العمل لك، إنه لا يؤثر ولا يفعل شيئاً.

على مدى ستة أشهر قدّم أحد زملائي أكثر من 600 ساعة عمل مجانية. ثم ارتكب غلطة صغيرة في وثيقة تخص أحد كبار العملاء قبل موعد مراجعة أدائه السنوية بأسبوعين. لقد انصرف تركيز الإدارة العليا انصرافاً شبه تام نحو ما أسموه “ضعف تركيزه وعنايته بالتفاصيل” وسمعة التفاني وصورة الاجتهاد التي كان يظن نفسه يرسمها تبخرت تماماً عند أحدث عثرة يرتكبها.

في الجانب المقابل، أعرف معرفة مباشرة كثيراً من الموظفين الذين يتعمدون استغلال مغالطة الحداثية هذه لصالحهم بزيادتهم مقدار وجودة أدائهم زيادة هائلة قبيل موعد المراجعة السنوية. هناك موظف معين أتذكره كان على حافة الفصل أربع مرات خلال سنة واحدة، لكنه في الأسبوع السابق مباشرة لموعد مراجعته قدم أسبوع عمل عجيباً من ثمانين ساعة لينال على إثره تربيته تشجيع على ظهره وبرافو كبيرة. هذه هي طبيعة البشر وهذه هي طبيعة الشركات التي تحوينا نحن البشر.

مغزى كلامي ليس حضاً على المناورة والمخادعة والتلاعب بأصحاب العمل في الاسابيع القليلة السابقة لمراجعة الأداء. العكس تماماً هو أحثكم عليه. إنني أشجعك على تحرير نفسك من الهوس ببناء سمعتك ورسم صورتك خلال حياتك المهنية. ستكون بحال أفضل بكثير لو أنفقت ساعات تحسين الصورة تلك على أناس تحبهم ويحبونك، مع أهلك وأصدقائك. لا تبذل وقتك بذلاً طوعياً لا يطلبه أحد ولا يقدّر له قيمة.

جهودك تعمل ضدك… انتبه قبل فوات الأوان

أتمنى لو أن هذا النصح قدم إلي قبل سنوات كثيرة، لكن ما فات قد فات، وبالفعل فإننا نحن البشر في معظم الأحيان لا نستقبل النصيحة إلا بعد أن نصبح جاهزين لاستقبالها، والأمر ليس بيد من ينصحوننا مهما كانوا يحاولون. وفي السطور التالية سأقدم لكم الدروس والنصائح التي أنقذتني من مصيدة بذل جهدي والتضحية بوقتي تضحية ذات أثر معاكس.

في فترة غرقي بالعمل ساعات إضافية تطوعية كثيرة وفي العطلات الأسبوعية، جاء إلى فريقنا مدير جديد، ونشأت بيني وبينه صداقة وثيقة. هذا المدير الذي عمل لدى شركات عالمية كثيرة في بلاد مختلفة صار هو المسؤول عني. من مديرين آخرين كنت أتلقى كثيراً من عبارات التشجيع والشكر على بذلي تلك الساعات الإضافية وإظهاري التفاني والإخلاص وعدم مطالبتي بالتعويض.

لكن مديري الجديد تعامل مع الأمر بطريقة مختلفة. دعاني إلى تناول فنجان قهوة خارج الشركة في فترة الغداء.

ومع احتساء القهوة قال لي: إنك واحد من أفضل الموظفين العاملين معي. ولو تسمع الإدارة العليا ما أقوله لك الآن فسيقتلونني بالتأكيد، ولذلك فإنني اقوله لك بصفتي صديقاً لك:” اسمع يا عزيزي: عملك الإضافي المجاني يجب أن يتوقف” لم أصدق ما سمعته أذناي، لكنه لم ينتظر تعليقي ومضى إلى القول:

بعملك ساعات إضافية أكثر من أي شخص في هذا المكتب، فإنك تقصد إرسال رسالة معينة، وأعتقد أنك غير منتبه إلى أنك ترسل معها أيضاً رسالة أخرى لا تقصدها.

وهنا فتحت عيني وأذني:

الرسالة الأولى هي أنك عضو مجتهد مخلص في الفريق وأنك تقدر عملك تقديراً رفيعاً، الأمر الذي يجعلك تثابر على العمل ساعات بعد انصراف الجميع إلى بيوتهم.

هززت رأسي موافقاً، وبقيت انتظر لأسمع الرسالة الثانية: الرسالة الثانية والأكثر أهمية: أنت تبين أنك لا تستطيع إنجاز اعمالك في الوقت الطبيعي المرسوم لها.

للحظات شعرت بتجمد حلقي ولساني، فلم أعرف ما أقول ولم استطع أن أقول شيئاً. لم افكر بالأمر على هذا النحو من قبل، لقد كان محقاً، إن كان اثنان يقومان بالوظيفة نفسها، وكان أحدهما يستغرق ثمانين ساعة كي يقوم بما يعتبره الآخرون عمل أربعين ساعة فهل هذا يبين التفاني والاجتهاد أم يبين سوء إدارة الوقت؟..

وتابع مديري: أنا أعرف أنك تعمل بطريقة صحيحة، وأنك تنجز في ساعة العمل أكثر من معظم زملائك. أنا أرى هذا، ولكنني الشخص الوحيد الذي يرى. وأما في عيون الآخرين فربما تكون الصورة التي تقدمها هي أنك لا تكاد تستطيع المواكبة وإنجاز ما عليك ضمن الأزمنة المقدرة.

غمرتني الحسرة والندم. كيف كنت غافلاً عن مشاهدة الأمر من هذا المنظور؟ وكذلك أصبحت أتفهم لماذا يغادر بعض أكثر الناس قيمة وأهمية في الشركة في الخامسة تماماً. لا أحد في الشركة يظن أنهم كسالى، بل يبدون أنهم يعرفون كيف يديرون وقتهم كما ينبغي.

تأثير هذه المحادثة كان فورياً. حالماً بدأت بمشاهدة سلوكي من هذا المنظور أقلعت عن إمضاء أي وقت أكثر مما ينبغي في العمل. آمل أن تكونوا قد اكتشفتهم ولمستم هذه الفائدة أبكر مما فعلت. وأما إن كنتم متأخرين مثلي فأرجوكم أن تسرعوا في إدماج هذا التصور في حياتكم المهنية بأسرع ما تستطيعون.

إن الصورة التي نقصد ونحاول جعل الآخرين يرونها لنا لن تكون في كثير من الأحيان مشابهة ولا قريبة من الصورة التي يدركونها فعلاً.

عمل اليوم لليوم.. والبقية يمكنها الانتظار إلى غد

ليس هدفي إقناعكم بأن تقبضوا أجوراً عن أوقات عمل إضافي غير ضرورية. بل العكس تماماً: أريدكم أن تساءلوا أنفسكم: لماذا نعمل ساعات أكثر مما ينبغي. كثيراً ما أقول لنفسي وللآخرين: العمر ينتهي والشغل لا ينتهي، وما لم يكتمل اليوم يمكنه الانتظار إلى الغد.

مع تصاعد التنافسية في بيئة العمل المعاصرة ينبغي أن نذكر أنفسنا أكثر: بأي شيء ننافس: بالعمل؟ أم بالوقت؟ إن بذلت ساعتين إضافيتين يومياً فهذا يساوي في السنة نحو 500 ساعة. وبكل صراحة أقول لك: إن كان لديك كل هذا الإقبال على البذل وفعل الخير فهناك كثير من أنشطة العمل الخيري المفيد تحتاج إلى دعمك وجهدك أكثر من أي منظمة عمل ربحي.

غايتي من كتابة هذه المقالة هي مساعدتكم أنتم وزملاء عملكم وأفراد أسركم على تفادي العثرات والتكاليف التي يتورط فيها كثيرون بأنفسهم. بتشجيعكم على النظر واعياً أكثر تعمقاً وتوسعاً إلى مسألة العمل الإضافي المتطوع، فإنني أرجو أن أكون قد نجحت في إقناعكم باجتناب هذا المسلك بداية والإقلاع عنه فوراً. إن وقتك عزيزي القارئ ثمين جداً ومحدود، وإنني لأقدّر فعلاً إمضاءك جزءاً منه في قراءة كلماتي، ومع شكري فإنني أختم بالدعاء أن ينتهي كل يوم من أيام عملك في ضوء النهار.

الكاتب: جاي موريسي

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى