أقلامأقلام عالميةمارشال جولد سميث

أفضل نصيحة قيادة في حياتي

باعتبارك مدرباً قيادياً فإنّك تقدّم نصائح التطوير للآخرين. فماذا تخبرنا عن أفضل نصيحة تطويرٍ تلقيّتها لنفسك؟

مثل كثير من طلاب الدكتوراه الشبّان كنت شديد الإعجاب بذكائي وحكمتي وبصيرتي النافذة في أحوال البشر. وكنت كثيراً ما أدهش نفسي بمقدرتي في تقييم الآخرين واكتشاف الأخطاء في تنفيذ أعمالهم.

كان الأستاذ المشرف على إعدادي لرسالة الدكتوراه هو البروفيسور فريد كايس الأستاذ في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس ورئيس هيئة التخطيط في مجلس المدينة وكان ذلك المجلس هو مكان إجرائي لبحث رسالة الدكتوراه.

في تلك المرحلة كان البروفيسور كايس الشخص الأكثر أهميةً وتأثيراً على حياتي المهنية وكنت كذلك أكنّ له احتراماً شخصياً صادقاً. فقد كان يقدّم خدماتٍ جليلة من أجل تطوير المدينة ويقدم الكثير أيضاً في مساعدتي.

ذات يوم دخل البروفيسور كايس إلى مكتبي وليس على وجهه هالة التفاؤل والسرور التي لا تفارقه في العادة.

نظر إليّ وقال:

مارشال! ما حكايتك؟ تصلني أخبارٌ من بعض الناس في مجلس المدينة بأنّ في تعاملك معهم سلبيةً وتوتّراً وتتبعاً للأخطاء والانتقادات. فما الذي يجري هنا؟

اندفعت إلى الرد فوراً:

حكايتي هي أنّني لا أكاد أصدّق كم هي ضعيفة الكفاءة حكومة هذه المدينة! وشرعت أسرد أمثلةً على استخدامهم أموال دافعي الضرائب بطرقٍ بعيدة عمّا أعتقد بوجوب القيام به. لقد كنت مؤمناً كل الإيمان بأن المدينة ستصير مكاناً أفضل لو أنّ قادة المجلس يصغون لي.

فقال الدكتور كايس متهكّماً:

يا له من اكتشاف مدهش! استطعت وحدك يا مارشال غولدسميث أن تعرف أن حكومة هذه المدينة ضعيفة الكفاءة! يؤسفني يا صديقي إخبارك بأنّ حلاقي المشغول بقص الشعر طوال النهار توصل إلى هذا الاكتشاف منذ سنين.. وماذا يزعجك هنا أيضاً؟

لم تردعني هذه النكسة العابرة فمضيتُ بانفعال إلى تبيينِ بضعة أمثلة صغيرة على تصرّفاتٍ تُعتبرُ محاباة للمتبرّعين السياسيين الأثرياء.

وعندئذٍ تحوّل الدكتور كايس من التهكّم إلى الضحك:

يا سلام! الاكتشاف المذهل رقم اثنان! أوصلتك مهاراتك في التحليل المعمّق إلى اكتشاف أن السياسيين يضعون اهتمامهم بكبار الداعمين لحملاتهم الانتخابية قبل اهتمامهم بالناس الذين يؤيّدون خصومهم؟

يؤسفني إخبارك بأنّ هذا الاكتشاف معروف أيضاً لدى حلّاقي منذ زمن بعيد. وأخشى أنّنا لن نستطيع منحك شهادة الدكتوراه مقابل هذا المستوى من تحليل الأمور.

ومع نظراته وتعابير وجهه المنبئة عن حكمة لا يجنيها المرء إلاّ بعد سنواتٍ من التجربة تابع الدكتور كايس كلامه:

أعرف أنّك تظنني عجوزاً يصعب عليه مواكبة العصر بتفكيره، لكن تذكّر أنني أمضيت في العمل في مجلس المدينة هذا سنوات طويلة. ألا يخطر في بالك يا عزيزي أنّ الدكتور كايس رغم بطئه في إدراك الأمور قد لاحظ وفهم بعض هذه المشكلات التي تكتشفها وتتحدّث عنها؟

ثم وجّه إليّ النصيحة التي لن أنساها أبداً:

عزيزي مارشال، إنّ تصرّفك بهذه الطريقة يجعلك مصدر تعسير وإزعاج للآخرين. إنّك لا تفيد الناس الذين يفترض أنّهم عملاؤك. بل أنت لا تفيدني ولا تفيد نفسك. وأضع أمامك الآن خيارين:

الخيار الأول: أن تتابع مسلك الانفعال والتعسير وتعقب الأخطاء والانتقاد. إن تبعت هذا الخيار سيوصلك إلى الطرد من هذا العمل وربما لن تستطيع التخرّج أبداً وتضيّع أربع سنوات من عمرك.

الخيار الثاني: أن تكون أكثر رفقاً وتيسيراً. أجل، لا تتوقف عن السعي لتحقيق تغييرات بنّاءة لكن افعل هذا بطريقةً إيجابية لك ولكلّ الناس من حولك.

نصيحتي لك: أنت ما تزال شاباً فاذكر أنّ الحياة قصيرة، واتبع طريق الرفق والتيسير.

ما قولك؟ أيَّ خيارٍ ستأخذ يا بنيّ؟

تحوّل عبوسي إلى ضحك وقلت: أعتقد أن الوقت قد حان لأتبع طريق الرفق والتيسير.

فابتسم الدكتور كايس ابتسامة العارف وقال لي: أحسنت! إنك شابٌ عاقل.

أمضيت معظم حياتي بالعمل مع القادة في مؤسساتٍ ضخمة. ولا يلزمُ أحداً عبقرية استثنائية حتى يرى أنّ الأمور لا تجري بالكفاءة والجودة الممكنتين، ويتوصّل إلى هذا الاكتشاف العظيم كل العاملين في المؤسسات.
ولا يلزم المرء عبقريةً أيضاً حتّى يدرك أن الناس كثيراً ما يكونون مهتمّين بمصالحهم وبتقدّمهم الشخصي أكثر من اهتمامهم بمصلحة المنظّمة التي يعملون فيها. وهذا هو الاكتشاف الكبير الآخر الذي يتوصل إليه كثيرٌ من الموظفين.

لكن القادة الحقيقيّن ليسوا أولئك القادرين على فضح مواضع الخلل، فأي إنسان تقريباً يمكنه القيام بذلك، القادة الحقيقيّون هم أولئك القادرون على جعل الأمور أفضل.

لقد علمني الدكتور كايس درساً مهمّاً. وإرشاداته لم تساعدني على نيل شهادة الدكتوراه وأن أصير مستشاراً ناجحاً وحسب بل ساعدتني في أن أعيش حياةً أفضل.

والآن حان دورك عزيزي القارئ كي تتفكّر في سلوكك في مكان عملك. هل تبثّ في المحيطين بك الاستبشار والحيوية أم تمضي كثيراً من الوقت في دور المنتقد الساخط متتبّع الأخطاء؟

هل يحيط بك زملاء يتصرفون على النحو المذكور؟ هل تكتفي بالاستياء ممّا يفعلون أم تحاول مساعدتهم كما ساعدني الأستاذ كايس؟
لم لا تحاول مساعدتهم؟ افعل هذا فعسى أن تجعلهم يكتبون عن أثرك الطيّب في حياتهم.

نقلا عن المقالة الأصلية: http://www.marshallgoldsmith.com/articles/when-should-you-keep-your-ideas-to-yourself/

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى