عالم الإبداع

  • لا تفرح بالإجابات.. ابحث عن أفضل الأسئلة

    فتح الباب ودخل إلى مكتبك أحد الموظفين العاملين تحت مسؤوليتك المباشرة طالباً منك المساعدة، ما القصة؟ إنجاز وتقديم الخط الجديد – الذي يديره – من منتجات الويب يتخلف عن الجدول الزمني. تم وضع النماذج الأولية واختبار النسخ التجريبية لكنه يواجه صعوبة في الحصول على شارة الإطلاق النهائية من نائب رئيس الشركة للشؤون التكنولوجية. لقد انقضت المواعيد واحداً إثر آخر ولم يفلح أي قدر من التذكير والترجي في جعل نائب الرئيس يركز على مشروعه. باعتبارك مديره ماذا عليك أن تفعل؟

    إنْ كانت فكرتك الأولى اقتراح حل، فَفَكِّر مجدَداً!

    رغم أن تزويد الموظفين بالإجابات على مسائلهم ومشكلاتهم كثيراً ما يبدو الطريقة الأكثر فاعلية لإنجاز الأمور فإن مكاسب المدى القريب ما تلبث أن تمحوها ظلال التكاليف المتكبدة في المدى البعيد. بسلوكك الدرب النفعي السريع فإنك تعيق تطور تابعيك المباشرين، وتضيع على نفسك فرصة الحصول على أفكار خارجية فعالة مبتكرة وتضع على كاهلك عبئاً إضافياً غير مبرر.

    لدى وقوفك إزاء مشكلة لدى أحد موظفيك يمكن أن ترد بطريقة أكثر توليداً للقيمة: من خلال طرح الأسئلة الصحيحة، ومساعدتهم على إيجاد الحل الأفضل بأنفسهم.

    لا نتحدث هنا عن مجرد طرح أي سؤال بل استخدام أسئلة تلهم الناس التفكير بطرق جديدة، توسع نطاق رؤيتهم، وتمكنهم من الإسهام إسهاماً أكبر في المنظمة الأسئلة المحتوية على هذا النوع من المفعول غالباً ما تكون مفتوحة النهايات، إنها لا تطلب إجابة محددة. تبدأ بكلمات “لماذا” “كيف” أو “ما رأيك في كذا”.. إنها أسئلة تهيئ الظروف أمام التابعين لاكتشاف حلولهم الخاصة، وزيادة مقدرتهم، وثقتهم بأنفسهم، وتحملهم المسؤولية عن النتائج.

    في السطور التالية نقدم لكم إطاراً لطرح الأسئلة الصحيحة في التوقيت الصحيح لإيجاد الوضوح والتوافق حول المسائل ولتمكين تابعيكم المباشرين.

    وجه النوع الصحيح من الأسئلة

    كلمة “التمكين Empowerment” صارت دارجة منذ وقت طويل إلى حد أن كثيراً من الناس باتوا لا يهتمون كثيراً بمعرفة معناها الدقيق: بث وإحياء القوة في عروق الناس، غرس وترسيخ إحساس الفرد بامتلاك قوته الخاصة ومقدرته.

    عندما يطلب المدير الاستماع لأفكار ومقترحات الموظف فإنه يرسل له رسالة أن هذه الأفكار جيدة ولعلها أفضل من أفكاره يكتسب الفرد الثقة ويصبح أكثر مقدرة وكفاءة.

    لكن السؤال التمكيني يقوم بأكثر من توصيل رسالة الاحترام والتقدير لمن يوجه له السؤال. إنه بالفعل يشجع تطور ذلك الشخص كمفكر وحلاّل مشكلات، وبذلك يولد هذا السؤال قيمة على المديين القريب والبعيد: قيمة المدى القريب المتمثلة في إيجاد حل للمشكلة الحاضرة، وقيمة على المدى البعيد المتمثلة في تزويد التابعين بالأدوات لتناول قضايا مماثلة في المستقبل معتمدين على أنفسهم. في الجانب المقابل السؤال المضاد للتمكين يزعزع من ثقة الشخص الموجه له ويلحق الضرر بأدائه، في كثير من الأحيان نجد هذا النوع من الأسئلة مركزاً على الفشل، أو على الخيانة، لأن طارح السؤال ينطلق من أجندة مخفية يريد إثباتها.

    الأسئلة الأكثر فاعلية وتمكيناً تولد القيمة من خلال واحدة أو أكثر من الطرق التالية:

    1. توجد الوضوح: (هل يمكنك شرح المزيد عن هذا؟)
    2. تبني علاقات عمل أفضل: بدلاً من “هل حققت هدف مبيعاتك؟” اسأل: “كيف كانت تسير أمور المبيعات؟”
    3. تساعد الناس على الانطلاق في التفكير تحليلياً ونقدياً (ما النتائج الممكنة للمضي في هذا السبيل؟)
    4. تلهم الناس التأمل والنظر إلى الأمور بطرق جديدة غير متوقعة (لماذا أفلحت هذه الطريقة؟)
    5. تشجع التفكير الاحترافي (هل يمكن القيام بهذا بطريقة أخرى؟
    6. تتحدى الافتراضات (برأيك ماذا ستخسر لو بدأت بتشارك المسؤولية عن عملية التنفيذ؟)
    7. توجد الشعور بالمسؤولية عن الحلول المبتكرة (بناءً على تجربتك، ماذا تقترح فعله في القضية الفلانية؟)

    إيجاد ثقافة تعتنق استخدام الأسئلة

    لرعاية ثقافة تستخدم في ظلها الأسئلة استخداماً واسعاً لتوليد القيمة، ابدؤوا بجعل التابعين المباشرين يعرفون أنكم تقدرون تساؤلاتهم مثلاً: اطلب منهم أن يدخلوا أفضل تساؤلاتهم ضمن تقييم أدائهم. قد تكون هذه أسئلة طرحوها في السنة الماضية أدت إلى افكار جديدة وحلول للشركة، أو أسئلة يريدون طرحها عليك خلال المراجعة كي يعززوا فاعليتهم وفاعلية الوحدة أو الفريق.

    وعلى القدر ذاته من الأهمية يرجع إليك كقائد تجسيد القدوة في أسلوب طرح الأسئلة بحيث إن فريقك بدورهم سيستخدمونه في تقاريرهم، مثلاً: يمكنك تتبع كم يجيد الفريق القيام بالعمل قياماً تشاركياً بطرح أسئلة مثل:

    • بعد مرور هذه الساعات من العمل معاً حتى الآن ما كان أفضل ما قمنا به مجتمعين؟
    • ما الذي يمكننا من النجاح في وضع استراتيجية مبتكرة؟
    • كيف يمكننا طرح أسئلة أفضل؟
    • كيف يمكننا تطبيق ما نتعلمه في مواقع أخرى من العمل؟
    • ما المهارات القيادية التي ساعدتنا في النجاح اليوم؟

    ما الذي تحصلون عليه بالسؤال

    صحيح أن دخول المناقشة والاجتماعات المباشرة مع أعضاء فريقك مستعداً بلائحة من الأسئلة بدلاً من البيانات الملقاة إلقاءً يتطلب بعض التخطيط المتأني، لكن الحصيلة يمكن أن تكون هائلة. السيد ماركوارت أحد الخبراء الذين تحدثنا معهم في إعداد هذه المقالة جرب هذا الأمر بنفسه عندما كان المدير التنفيذي لمركز تطوير وتدريب. وكان يسأل كل واحد من موظفيه المباشرين هذا السؤال: ما هي الفكرة الواحدة أو الاستراتيجية التي لا نقوم بها الآن وتعتقد أنها ستسهم أفضل إسهام في نجاح شركتنا؟

    ويقول: الإجابات التي كان يولدها هذا السؤال كانت مدهشة خرجنا باستراتيجية تسويق لم تخطر ببالي من قبل وأضافت بضع خدمات جديدة إلى عملائنا. ونتيجة لسؤاله قامت المجموعة أيضاً بدراسة أسواق جديدة في شرق أوروبا وجنوب شرق آسيا، وأوجدت شركاء محليين في تلك المناطق، وبسبب أن كل المبادرات كانت أفكارهم فإن موظفي ماركوارت المباشرين كانوا ملتزمين بوضعها موضع التطبيق. وتقبلوا أعباء المسؤولية في تصميم وتسويق وتنفيذ البرامج الجديدة.

    بقيادتك اجتماع فريقك بالأسئلة فإنك أيضاً تساعد في تبديد الغموض وبناء التوافق وتوازي الجهود حول القضايا. معظم المجموعات غير متوازية عندما تجتمع، وعندما يدخل قائد إلى المجموعة ويطرح مشكلة فإن كل واحد يفترض أنه يتفهم المشكلة بطريقة ذاتها، في الواقع هذا غير صحيح.

    مثلاً: إن كان أحد المنتجات يعاني الكساد فربما تفترض أن السبب هو برنامج التسويق المختل. لكن ماذا لو كان هناك آخرون يعتقدون أن الخلل في المنتج ذاته؟ لن تعرف إن لم تسأل كل واحد “ما المشكلة التي تعتقدون أنها تقف وراء هذا الوضع؟” من دون توافق على تعريف المشكلة لا يمكنك تحديد استراتيجية للتعامل معها. طرح أسئلة كهذه يمكن أعضاء الفريق من تفهم وجهات نظر بعضهم والاتفاق على تعريف المسألة التي يتعاملون معها.

    متى عليك الامتناع عن السؤال؟

    يشير ماركوارت إلى أنه خلافاً للمقولة الشائعة في عالم الأعمال “ليس هناك سؤال سيء” هناك أنواع عدة من الأسئلة يمكن أن تولد تأثيراً سلبياً على التابعين وأعضاء الفريق. الأسئلة المركزة على لماذا لم ينجح أو لا يستطيع أن ينجح شخص ما تضطر الموظف إلى اتخاذ موقف دفاعي أو انفعالي وتجرده من قوته. مثل هذه الأسئلة تقطع الطريق على فرص النجاح ولا تسمح للناس بتوضيح سوء الفهم أو بتحقيق الأهداف من هذه الأسئلة:

    • لماذا أنت متأخر عن الجدول الزمني؟
    • ما مشكلة هذا المشروع؟
    • من الذي يتأخر عن المواكبة؟
    • ألا تعرف أي شيء أفضل من هذا؟

    الأسئلة الموجهة Leading questions تطلب إجابة معينة، إجابة تضع الشخص الذي يوجه السؤال له في ضوء سلبي تفرض فرضاً أجندة طارح السؤال، أو تمارس ضغطاً اجتماعياً لفرض الموافقة. ومن بين جوانبها السلبية العديدة فإن الأسئلة الموجهة تمنع الموظفين المباشرين من الإجابة بصراحة وتعرقل المناقشة الصادقة.

    تجنب الأسئلة المغلقة أو الموجهة مثل:

    • تريد أن تقوم بهذا بنفسك، أليس كذلك؟
    • ألا تتفق معي على أن سامي هو سبب المشكلة هنا؟
    • بقية أعضاء الفريق يعتقدون أن سامي هو المشكلة، وأنت ماذا تقول؟

    بينما الأسئلة المغلقة – التي تتطلب إجابات محددة – يمكن أن تكون طريقة جيدة لافتتاح وإغلاق المحادثة، فإن توالي عدد منها كما في المثال التالي سوف يجعل الموظفين يشعرون بأنهم يخضعون لاستجواب:

    • هل هذا وقت جيد لنتحدث؟
    • في أي وقت موعد الاجتماع؟
    • كم عدد الذين سيأتون؟
    • من أيضاً سيكون هناك؟
    • متى سيكون التقرير جاهزاً؟

    إياك أن تنسى: نجاحهم نجاحك

    مع سعيك للقيادة من خلال السؤال بدل الإملاء، تذكر أن القائد لن يكون ناجحاً إلا بمقدار نجاح الناس الذي يعملون تحت مسؤوليته. بتوجيهك الأسئلة الصحيحة لتابعيك المباشرين يمكنك أن تساعدهم في تطوير مقدرتهم على حل المشكلات، وتطوير إبداعهم، وغزارة وتنوع مواردهم وطرق تصرفهم. إن قواهم المتزايدة في هذه المجالات سوف تنعكس انعكاساً حسناً عليك، وفوق ذلك فإنها ستمكنهم من معونتك بشكل أحسن أنت ووحدة العمل كلها عندما تواجهون تحديات جديدة لا عهد لكم بها. ليس عليك أن تمتلك الإجابة حتى تطرح سؤالاً عظيماً، إن السؤال العظيم سيوجد له إجابة في النهاية.

    الكاتب: جوديث روس

  • 4 طرق أساسية لتنجح كريادي أعمال مبتكر

    هذه الأيام وفي العديد من دول الشرق الأوسط، هنالك موجة لريادة الأعمال، بعض الشركات الناشئة هي عبارة عن تكرار لما سبق (مغسلة أو مطعم مثلا). ولكن العديد من مؤسسي الشركات هذه الأيام يقومون بأمر مختلف ويستفيدون من التقنية لإعطائهم ميزة تنافسية. إنهم يقدمون قيمة مضافة متميزة في عملهم. مما يجلب لهم النجاح من خلال إقبال الزبائن والعملاء على المنتجات والخدمات التي تقدمها هذه الشركات الناشئة.

    خذوا على سبيل المثال شركة طلبات www.talabat.com والتي هي عبارة موقع لطلب وتوصيل الوجبات من المطاعم في دول الخليج العربي. فبدلا من الاتصال على هاتف المطعم لطلب وجبة تقوم بزيارة موقعهم والتصفح في المطاعم والوجبات المتوفرة وعندما تقرر تقوم بعمل الطلب ودفع قيمته، بل وتستطيع متابعة طلبك ومعرفة متى يمكن أن يصلك. هذه الشركة انطلقت في الكويت في سنة ٢٠٠٤ وهي الآن تغطي كل دول الخليج العربي، وقد تم الاستحواذ عليها من قبل المجموعة الألمانية للتجارة الإلكترونية Rocket Internet في بداية ٢٠١٥ بمبلغ يقترب من ١٥٠ مليون يورو.

    العديد من الشركات مثل طلبات تمثل الفرق بين الشركة الجديدة التقليدية والشركة الناشئة المبتكرة. على سبيل المثال عندما يفتتح أحدهم فرعا لمطعم شهير في مدينته أو قريته، هو يؤسس شركة ناشئة لكنه مقيد لقواعد وقوانين هذا المطعم. إن الرياديين المبتكرين يقومون بأمر أكثر من فتح شركة جديدة، إنهم يبحثون عن مساحة لسد حاجات وحل مشاكل عن الزبائن في مجال عمل معين.

    إذا كنتم تطمحون أن تنضموا لهذا القطار من المبادرين المبتكرين، عليكم أن تأخذوا بالاعتبار هذه المبادئ الأربعة:

    ١- كن متنبها للحاجات التي لم يتم تلبيتها للزبائن:

    إن صائدي الفرص المميزين لا يختلفون عنا في الجوانب الجسدية أو الجينية، وإنما يتميزون بأن لديهم استشعارا جيدا لمواقف الإحباط التي تسببها الشركات القائمة لزبائنها، ولديهم القدرة على تحويل تلك المواقف الى فرص تجارية متميزة. تجدهم يقولون لأنفسهم “هذا أمر مزعج أو محبط، لابد من أن هناك آخرين مثلي يحسون بذلك، هل هناك طريقة لتجاوز هذا!”.

    سئل فريد سمث (مؤسس فيد إكس) ذات مرة كيف وصل لفكرته (في التوصيل خلال ٢٤ ساعة)، أجاب فريد أنه “كان يملك شركة لإعادة تصليح الطائرات الصغيرة في مطار منطقة ليتيل روك في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الفكرة جاءت له عندما كان يأتيه بعض رجال الأعمال والإداريين في شركته ويلحون عليه ويرجونه أن يوصل الطرود والأظرف الخاصة بهم لوجهات مختلفة، حيث إنهم لم تكن لديهم وسيلة لذلك، وهنا وجد أن التوصيل خلال ٢٤ ساعة سيكون له سوق”.

    كذلك الأمر بالنسبة لمؤسسي طلبات، هم استشفوا حاجات لدى الزبائن الذين لم يكونوا مرتاحين من نظام الطلب بالهاتف، مثل: المبالغة في عروض البيع من متلقي الاتصالات في المطاعم أو الرغبة في التأكد من أن الطلب تماما مثلما يريد الزبون. الأشخاص الراغبون بأن يكونوا رياديين مبتكرين ننصحهم بأن يجربوا السير في أحذية العملاء في مجالهم، وأن يجربوا معرفة إحباطات هؤلاء العملاء من طبيعة عمل الشركات القائمة حاليا في مجالهم، ثم البحث عن طرق يستطيعون تجاوز هذه الإحباطات وإرضاء العملاء وتحقيق حاجاتهم بتميز من خلال شركاتهم الناشئة.

    ٢- أعد التفكير في افتراضات مجال عمل شركتك الناشئة:

    حاول تحدي الافتراضات السائدة المتعلقة بالعمل سواء في منطقتك الجغرافية أو في مجال عملك، خصوصا ما يعتقدون أنه حقائق ثابتة في طرق العمل وإدارته (وهو ما قد يكون غير صحيح). على سبيل المثال لو كنت في مجال صناعة الأثاث في الولايات المتحدة الأمريكية قبل عقد من الزمن، لكان الافتراض السائد هو (لكي تنافس لابد أن تنقل مصانعك إلى الصين بسبب انخفاض تكلفة التصنيع هناك)، ولكن لم يقبل الجميع هذا الافتراض مثلا شركة باسسيت للمفروشات الموجودة في ولاية فيرجينيا رفضت التسليم بهذا الافتراض، وقامت بتخفيض النفقات وبالتشارك مع العاملين فيها وبالاستثمار في التقنيات المتقدمة في مجالهم. وأعادوا التفكير في حاجات ومتطلبات موزعيهم، ووصلوا لأن الحل يكمن في سرعة التوصيل مع المرونة في التصنيع لملائمة متطلبات الزبائن في المواد والألوان وغيرها. فأصبحت الشركة تشحن الطلبات (المفصلة بحسب رغبة الزبائن) في ٢٤ ساعة، وهو ما كان يعدّ مستحيلا في هذا المجال، وبهذا خففت من المخزون لدى الموزعين مما ساعدهم في الطلب أكثر. وعندما ارتفعت أجور الأيدي العاملة في الصين أدى إلى تميز الشركة بين منافسيها فلم تعد فقط تنافس بل تتصدر في منطقتها الجغرافية.

    فكر في هذا؛ ما الافتراضات التي تسيطر على مجال عمل شركتك؟ ما هي طرق أداء وإدارة العمل في مجالك التي أصبحت بالية أو بيروقراطية أو غير مناسبة؟

    من إعادة النظر في هذه الافتراضات قد تصل لبصائر تشكل فرصا لتقديم قيمة مضافة متميزة للعملاء في مجالك في المستقبل.

    ٣- ابحث عن الحاجات غير المكتشفة للعملاء:

    إن نموذج العمل هو الطريقة التي تطمح بها شركة ما لتحقيق أرباح من خلال تقديم خدمات أو منتجات محددة لزبائن محددين. وعادة ما تكون النماذج السائدة في مجال معين محددة، ولكن الريادي المبتكر يبحث عن طريقة أفضل ويفكر كيف سيكون الحل الأشمل من وجهة نظر العميل، وإن أوجده يكون نجح بتميز.

    لعدة سنوات كانت شركة بلوك باستر مسيطرة على سوق تأجير الأفلام في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل عقد من الزمن كان لديهم ٩٠٠٠ محل. وثم جاءت شركة نتفليكس بنموذج عمل جديد. بدلا من أن يدفع الزبون مقابل كل فيلم يستأجره، يدفع اشتراكا شهريا ثابتا، ولقي هذا قبولا عند العملاء، وعندما لم تغير شركة بلوك بستر طريقتها في العمل بدأت بالانحدار حتى أغلقت.

    كذلك موقع zoomaal.com وهو منصة للتمويل الجماعي استطاع استكشاف حاجة غير متوفرة للشركات الناشئة في المنطقة العربية. حيث فتح المساحة لرياديي الأعمال بنشر التعريف عن شركاتهم باللغة العربية، ,أعطى لهم القدرة على الوصول للممولين والداعمين من غير الناطقين بالإنجليزية في المنطقة. كذلك فإن المنصة تخاطب الجمهور في العالم العربي، وقد ساعدت في إطلاق الرياديين من خلالها مشاريع ومبادرات أكثر ملائمة للجمهور العربي وخلفياته الثقافية وتلمس بعض الاحتياجات الخاصة بالمنطقة.

    ٤- قم بالعديد من الأبحاث:

    ريادي الأعمال رتشارد بارتون الذي أسس العديد من الشركات مثل Zillow, Expedia, Glassdoor وغيرها، وصل لفكرة أدخلت عليه مليار دولار من خلال تكرار هذا السؤال البسيط “ما هي معلومات السوق التي يرغب فيها الناس ولكن لا يجدونها؟”، وبعد أن يصل لفكرة يقوم بالكثير من الأبحاث للتأكد من أن فكرته مناسبة و مربحة ويمكن التوسع بها وتكبيرها.

    الطريقة الأفضل هي أن تجمع ما تستطيعه من المعلومات لمعرفة ما إذا كانت فكرتك مجدية وقابلة للتحقق أم أن فيها إشكالات قاتلة. حاول أن تحصل على تغذية راجعة حول فكرتك من أشخاص عدة، وخصوصا ممن يمكن أن يكونوا مستخدمين لها أو عملاء لك مستقبلا، حاول أن تبني نماذج أولية مبسطة ليستطيع الناس فهم فكرتك ومن ثم يعطوك رأيهم، وإذا كان هناك ملاحظات أو خطأ يكون بمقدورك التعديل بشكل سريع.

    عندما نقول “أبحاث” نحن لا نقصد أبحاث السوق التقليدية (مثل مجموعات التركيز والاستبانات) وإنما البحث الذي يركز على فهم الحاجات الحقيقية للعملاء، وكذلك البحث الذي يمكنك من التحقق من فكرتك ومدى ملاءمتها للعملاء بسرعة وبتكلفة منخفضة. فنجد العديد من المشاريع الريادية في منصة ذو مال تقوم بعملية اختبار وبحث في الخطوات الأولى لأفكارهم، هم يقومون باختبار القبول لأفكارهم من خلال الطلب من مستخدمي الموقع عمل طلبات شراء مسبقة من خدماتهم ومنتجاتهم، وكذلك بمتابعة الملاحظات والتعليقات على الموقع يستطيعون تطوير هذه المنتجات والخدمات بما يتوافق مع عملائهم المقترحين.

    إن المنطقة العربية لديها الكثير من البوادر للرياديين الذين لديهم الرغبة والقدرة ليكونوا مبتكرين يحاولون المزاوجة بين التقدم التقني وتقديم منتجات وخدمات جديدة. إن نسبة الشباب في العالم العربي في ظل التغيرات التي تحصل في المنطقة، تخلق بيئة دافعة للابتكار والإبداع غير مسبوقة. إنها أوقات متميزة للريادين الذين لديهم الرغبة والقدرة على عمل ابتكارات جذرية في العديد من الحقول والمجالات. لذلك نصيحتنا:

    إذا كانت لديك الروح الريادية، ابحث عن فكرة مبدعة ومبتكرة (بمساعدة المبادئ المذكورة أعلاه) وساهم في إطلاق نجاح ابتكاري متميز في المنطقة.

    نشرت هذه المقالة أولا باللغة الانجليزية هنا من قبل كاتبيها السيد روبرت تكر والسيد هاني المنيعي، الذي قام -الأخير- بدوره بنشرها بالعربية مؤخرا هنا

  • ليس بالسعر الأدنى تكسبون العملاء!

    قبل أن تقرر استراتيجية تسعير لعملك في بيع التجزئة ينبغي عليك التفكير في ما الذي يجذب الزبائن إلى متاجركم بداية وما الذي يجعلهم يعودون فيكررون الزيارة؟ فقط عندئذ يمكنك وضع استراتيجية تسعير لزبائن المفرّق تيسر لعملك أن يكون رابحاً.

    كونك تاجراً منفرداً قد تعتقد أن ولاء عميلك يتأثر بشكل أساسي بأفضل الأسعار، وبناء على هذا المفهوم قد تندفع إلى المنافسة بالسعر مع المزودين الكبار القريبين في منطقتك. لا ينتهي هذا إلى شيء سوى تسابق بالأسعار إلى القاع، منافسة سوف تخسر فيها على الأغلب نظراً لأن التدفق النقدي لديك أدنى من كبار بائعي التجزئة بالخصم. لكن إضافة إلى إلحاق الضرر بعوائد متجرك فإن محافظتك على أسعار مخصومة سيضيع نهائياً، السبب الذي يجعل المتسوقين يرجعون إلى متجرك، أصلاً.

    فيما يلي سنناقش العناصر التي تجعل المشترين يعودون إلى متجر بيعك بالمفرق وسنمضي إلى توصيف بعض الطرف في تحسين ولائهم مثل إعداد تجربة تسوق مميزة وأخيراً ستعرف عن استراتيجية التسعير في إطار تعظيم ربحية عملك خلافاً للانهماك في إغراء واجتذاب متسوقين حساسين للسعر من عند المزودين الكبار.

    رضا العميل والرغبة بالعودة

    في دراسات رضا العميل، يتبين أن العملاء يميلون إلى إسباغ التقدير والإعجاب على شركات بيع المفرق التي زاروها وكانت تجربتهم الإجمالية فيها إيجابية. على سبيل المثال، يسهل عليهم إيجاد وشراء الأشياء التي يريدون والخدمة التي يتلقونها خلال زيارتهم مقبولة. إلا أن هذه الجوانب – بحد ذاتها وحسب – لا تعني وجود الولاء. هي فقط تعني أن العملاء لم يخب أملهم بتجربة تسوقهم. القابلية للعودة تعتمد على اعتبارات تتجاوز الإيجابيات التي يلاقيها الزبون على المستوى التعاملي. قابلية العودة تعتمد على علاقة من الثقة تتطور بين المتسوقين. ومحل التسوق، والعاملين في المحل، هذا الترابط يمكنه بالتأكيد أن يحرك الفرد للعودة مرة بعد مرة تاركاً محلات التجار الكبار بالرغم من عروض أسعارهم المعقولة، المفتاح هو تعرف المعايير التي يشعر المتسوقون بأنها الأكثر أهمية.

    في الواقع، لماذا يعود متسوقو المفرّق إلى متاجركم؟

    كما ذكرنا من قبل العملاء نادراً ما يتأثرون بالأسعار المعقولة وحدها. عادةً هم يتحركون بتلقي أكبر قيمة ممكنة مقابل كل درهم مستثمر. تفكر في جوانب تجربة التسوق التي يراها عملاؤك قيمة: إلى جانب القيمة الضمنية للسلع التي يشترونها فإنهم قد يضعون كذلك قيمة ذات أولوية متقدمة جداً لرضا العميل. كثير من الناس يحبون أن تلقى عليهم التحية بالاسم، وهناك آخرون يحبون تلقي حلول مبتكرة لمشكلاتهم وآخرون يطلبون تجنب الانتظار الطويل على طابور دفع القيمة والخروج. يقدر مشتروك قيم الأشياء بطريقة مختلفة لكن طالما أن النقود والوقت التي يستثمرونها خلال زيارتهم لمتجرك يرونها أقل من المنافع التي يحصلون عليها فإنهم سيعودون وفي اقتراب أكثر من مسألة استراتيجية التسعير سترى إخلاصهم يعود بزيادة معتبرة في أرباح متجرك لبيع المفرق.

    كيف يعزز ولاء العملاء ورضاهم

    تعزيز الولاء يتطلب تطوير تجربة تسوق تبقى محفوظة في أذهان عملائك. من لحظة اقترابهم من المدخل إلى لحظة مغادرتهم كل شيء يجب أن يكون موجهاً في اتجاه جعل جولتهم تجربة جيدة محببة، مثلاً:

    • ينبغي أن يسلم الموظفون على العملاء بتحية دافئة، وإن أمكن باستخدام أسمائهم.
    • ينبغي أن يعرضوا المساعدة ليس في مجرد إيجاد صنف معين بل لعرض حلول المشكلات التي يواجهها العميل.
    • ينبغي أن يكون متجرك نظيفاً والتجول داخله ميسرا.
    • ينبغي أن تكون الرفوف منظمة بطريقة تلغي الارتباك والخلط في السلع والتكاليف.
    • اطلب من العملاء التسجيل في لائحة مشتركين تخبرهم من خلالها عن معدلات الحسم التي يمكنهم الحصول عليها استناداً إلى مشترياتهم السابقة.
    • نظم فعاليات داخل المتجر لا يدعى لها سوى العملاء المخلصين.

    بناء وتعزيز ولاء مستمر بين المشترين سيأخذ منك وقتاً وجهداً، لكن القيام بهذا قد يساعد في تقليص الدور الذي تلعبه الأسعار المنخفضة عندما يأتي الأمر إلى اجتذاب الناس لمتجرك.

    وضع استراتيجية تسعير فعالة

    بينما الأسعار المعقولة ينبغي أن لا تكون محور التركيز الأكبر في استراتيجية التسعير الخاصة بمنشأتك لبيع التجزئة، فإنه يبقى مهماً جداً هندسة استراتيجية توجه تقديراتكم للأسعار، هناك استراتيجيات عدة يمكنكم الاختيار من بينها وتوصيف كل واحدة يتجاوز مجال مقالتنا هذه، بعض منها يرتكز على تعيين نسبة زيادة فوق سعر التكلفة بينما يوجد بعضها الآخر مركزاً على التسعير التفاخري “البرستيج” (مثل Rolex)

    الشيء الأكثر أهمية إبقاؤه في بالك كتاجر تجزئة هو أن المبيعات والأرباح تعتمد إلى حد كبير على محافظتك على هوامشك. قاوم رغبتك الشديدة التي تحثك على تقليص تكاليفك كي تنافس، بدلاً من ذلك اكتشف العوامل التي يقدرها المتسوقون لديك، وأعمل دون كلل على تقديمها لهم. تأكد من اتباع هذه الخطوات حتى لا تجد نفسك تبيع موجودات المتجر بيع تصفية.

    الكاتب: جيمس بلغر

  • أسئلتك الرشيدة مفتاح إجابتهم المفيدة

    قبل الدخول في موضوع اختيار الاستشاري الأفضل لشركتكم ينبغي النظر فيما ينبغي أن نعد من أسئلة قبل ذلك، وحتى تطمئن عزيزي القارئ إلى أن نصيحتي يعول عليها أقدم لك لمحة عن خلفيتي العملية:

    على مدى 27 عاماً كنت أمتلك شركات متنوعة وكنت بشكل احترافي أقدم الاستشارات لأصحاب الأعمال في لقاءات مباشرة شخصية منذ 1997. صممت وسوقت وقدمت ورشات عمل وتدريبات أعمال شاملة وإدارية مع آلاف من الشركات على مدى أحد عشر عاماً وشخصياً نصحت ودربت مئات من مدربي الأعمال إضافة إلى عملي كمانح ترخيص أساسي Master franchisor في تدريب وتوظيف مدربي الأعمال.

    والآن إلى موضوع الحصول على استشاري أعمال ملائم، في عالم الأعمال هناك مقدار غير محدود مما ينبغي على المرء العلم به وسيكون هناك المزيد في كل لحظة. ويعبر عن هذه الفكرة قول الحكماء:

    هناك أشياء تعرفها، وأشياء تدرك أنك لا تعرفها (وإذا بت فطناً إلى أنك لا تعرف الموضوع معرفة محيطة) وهناك أشياء لا تعرف أنك لا تعرفها.

    ينشأ الخطر الحقيقي أثناء بحثك عن استشاري عند وجودك في هذه الزمرة الأخيرة، حيث لا تملك أي معرفة بالموضوع فيمكن أن تقع ضحية لأي أحد.

    نصيحتي الأولى في اختيار استشاري أعمال هي أن تكون واضحاً كل الوضوح في تحديد ما تريد عن طريق البدء بكثير من البحث والاستقصاء. إن كنت تعرف الأشياء والجوانب التي لا تعرفها فأنت إذا تعرف الأسئلة التي ينبغي طرحها حتى تحصل على الإجابات التي تحتاج، عندما لا تعرف ماذا لا تعرف فإنك لا تعرف حتى من أين تبدأ، أو حتى ما الأسئلة التي ينبغي أن تبدأ بها.

    الأسئلة عموماً تأتي قبل الإجابات، والاستشاري الذي ستنتهي إلى التعامل معه سيكون جزءاً من الإجابات التي تحصل عليها. إذا أنت تختار جودة مستشاريك بناءً على جودة الأسئلة التي توجهها لهم.

    هكذا فإن الأسئلة تصبح الإجابة وتقرر جودة مستشارك. قد تجد مستشاراً ممتازاً يناسب حالتك، أو ربما لا تجد وتضيع الوقت والمال. حتى تجد المستشار الصحيح أنت تحتاج أحداً يعطيك الإجابة، أي مستشاراً في كيفية الحصول على مستشار وهذا هو غرض هذه المقالة.

    يجب أن تكون أسئلتك متصلة بالموضوع اتصالاً دقيقاً قدر الإمكان، وسوف أفترض في حالتنا هذه أنها حول تلقي نصيحة أعمال عامة في كيفية تعزيز نمو عملكم، الحصيلة التي تريدها تقرر الأسئلة، فدع هذا ببالك مع أسئلتك الخاصة.

    يمكنك استخدام بنية هذه الأسئلة لدى بحثك عن مستشار، أو مساعدة في مجالات أعمال أخرى مثل الطباعة أو تصميم موقع إلكتروني جديد، هذه الأسئلة هي قاعدية تقديمية، فكن مستعداً لتوسيع الإجابات التي تتلقاها بمزيد من الأسئلة.

    1. هل اشتغلت مع صاحب عمل في مجالنا نفسه أو مجال مشابه؟
    2. كم سنة لك في مجال الاستشارات الاحترافية للشركات؟ وماذا كنت تصنع قبل ذلك؟
    3. كم سنة لك تملك شركتك الخاصة؟
    4. كم عنصراً بشرياً تدير وتقود؟
    5. ما مستوى تفهمك في بيانات الأرباح والخسائر وكذلك في مجالات المبيعات والتسويق والتوظيف؟ هل تقدم المشورة في كل هذه الشؤون أم في مواضيع محددة وحسب؟
    6. ما النتائج المحددة التي حققتها بالفعل حتى الآن؟ كيف تقيس نتاج عملك مع العملاء؟
    7. هل يمكنك تقديم مرجعيات عملاء قدمت لهم الاستشارات يمكننا الاتصال بهم في شأن عملك معهم؟
    8. ما مواد الدعم أو الأنظمة أو البرمجيات التي تقدمها كجزء من مشورتك؟ هل تقدم قوالب أو جداول جاهزة التصميم أو وثائق أو أنظمة أو كتيبات إرشاد سريع أو أدوات تثقيف سمعية بصرية، أم إن خدمتك في معظمها خدمة غير ملموسة تتكون أساساً من التواصل الشفهي وبعض الدعم عن طريق الإيميل؟
    9. كم سنستغرق من وقت حتى يمكن لمس آثار مساعدتك؟
    10. كيف تعمل مع الناس، عن طريق الهاتف وحسب، أم بمقابلة شخصية في البداية ثم بالهاتف؟
    11. هلا أطلعتنا على اتفاقية خدمتك أو توريدك؟ ما الذي تتضمنه أو لا تتضمنه الخدمة؟
    12. على اية خلفيات يمكن إنهاء العلاقة، أم إن هناك تحديداً ثابتاً للتواصل؟

    من خلال هذه الأسئلة عليك أن تقرأ بين السطور هل الاستشاري منشرح وواسع الصدر صبور في الإجابة على أسئلتك؟ إن كان ممتعضاً، دفاعياً، أو ضيق الصدر، أو متكبراً فظاً في فرض ما يقول، فكن على حذر.

    الاستشاريون الكبار المتقنون في مجالاتهم يتعاطفون مع الناس ويتفهمون أنهم يفتقرون إلى المعرفة. بينما الاستشاريون الأقل خبرة وجودة قد يشعرون بأنك “تستجوب” اعتماديتهم وخبرتهم وسوف ترى هذا الشعور في نبرة إجابتهم على أسئلتك.

    كن مستعداً بأسئلتك قبل افتتاح الحديث مع الاستشاري، لا تدخل الموضوع قبل إعداد أسئلتك.

    الأسئلة تأتي قبل الأجوبة، بمعرفتك أسئلتك أنت تمضي إلى معرفة كيف تجد إجاباتك، إن بدء السير في طريق النهاية المنشودة ماثلة في دماغنا، والعمل رجوعاً من تلك النهاية إلى الأسئلة مبدأ عظيم.

    بالمختصر: مفتاح الوصول بنجاح إلى استشاري أعمال جيد أو أي مزود آخر هو معرفة ما لا تعرف بحيث تستطيع طرح أسئلة تعرفك المزيد.

    الكاتب: تيم ستوكس

    أخيرا، نحن في شركة الإبداع الخليجي للتدريب والاستشارات يسعدنا تقديم يد العون لأعمالك، طالع برامجنا التدريبية التعقادية و الاستشارات التي نقدمها باحترافية منذ ربع قرن.

  • في التخطيط الاستراتيجي … عجلة أكثر سرعة أقل

    يمتلئ عالم البزنس بحالات تكشف استراتيجيات وتكتيكات تنفيذ فاشلة، وتقدم كل عينة من الفشل دروساً لا تحصى ينبغي وعيها واجتناب تكرارها. يبدو هذا سهلاً جداً عندما تلفظه لفظاً سريعاً: “فليكن لديك استراتيجية صحيحة وخطة مُحكمة لتطبيقها”. لكن رغم السهولة التي تبدو عليها المبادئ فإن عثرات الاستراتيجية ذاتها تستمر في الظهور مرةً بعد مرة.

    في الصراع مع الزمن.. طلب الثمرة هل يبرر إهمال الشجرة؟

    في فشل صناعة الاستراتيجيات وتطبيقها ضغط الوقت هو العامل الرئيس المتهم. ففي هذه الأيام يأتي الرؤساء التنفيذيون ويرحلون بسرعة أكبر، وليس لديهم غير قليل من الصبر كي يمضوا مزيداً من الوقت في تحليل خلفيات صياغة الاستراتيجية، أو تفاصيل كيفية تنفيذها.

    مع متوسط فترة على الكرسي تقارب السنتين فإن من السهل التعاطف مع رغبة هؤلاء الرؤساء في مشاهدة التغيير يحدث بسرعة. لكن بغض النظر عن الحاجة للسير بسرعة، إن القيام بالتصرفات الصحيحة في مثل هذه الظروف يبقى مفتاحاً لبقاء الرئيس التنفيذي. حتى تحت النار، ينبغي على قائد المؤسسة رسم مسار حريص متقن وفعال كذلك لتحسين الأداء وتلبية المطالب المتوقعة. إن هذا يتطلب مقاربة منطقية حكيمة وسلوكاً مترفقاً رزيناً.

    لدى قائد تحت الضغط، قد يُظن أن التخطيط الاستراتيجي عملية طويلة يستغرق إنجازها وقتاً أكثر مما يطيقون. ولسوء الحظ فإن هذه العملية هي سبيل العمل اللازم لتطوير أداء المنظمة. النقطة المهمة التي ينبغي تذكرها هي أن أي تغيير في السياسة أو العملية أو التكتيكات يحتاج وقتاً حتى يصبح فعالاً. بعد أخذ هذا الواقع في الحسبان، لم لا تأخذ عزيزي القائد وقتك كي تتأكد من أن خطواتك ستكون هي الخطوات الصحيحة؟

    إن كان أحدنا يعرف أن هناك حافلةً تتجه لتصدمه ويحتاج إلى الابتعاد عن طريقها بسرعة فإن امتلاك المعلومات عن مسار هذه الحافلة أمر جوهري للنجاة. القفز أو الركض في اتجاه خاطئ تشكل فعلاً لكنه فعل غير مفيد طالما أن الحافلة تستمر في التقدم نحو المرء والمرور فوقه. هكذا هي الحال مع التخطيط الاستراتيجي: مهما كان القائد يشعر بإلحاح ضاغط للقيام بفعل فوري فإن معرفة الاتجاه الصحيح تبقى مطلباً حيوياً لا بد منه. لدى القيام بالتخطيط كما ينبغي فإن قادة الأعمال يستطيعون تعزية أنفسهم وتطمينها بأنهم يقومون بالأمور الصحيحة بطرق صحيحة، حتى لو استغرق التوصل إلى هذا بعض الوقت الإضافي في البداية.

    يكفي! متى نصبح جاهزين للانطلاق؟

    باعتبار أن الوقت سيبقى في كل الأحوال عنصراً جوهرياً لا بد منه، فما نوع التخطيط الاستراتيجي الذي نحتاج، وكم يبلغ الحد الكافي منه؟

    • في الحد الأدنى، ينبغي أن تتضمن عملية التخطيط تقييماً لآثار الاستراتيجية على الشركة لتقرير إن كانت تسير بالفعل نحو تحقيق النتائج المنشودة. كذلك ينبغي أن توجد خطة فعلية للتنفيذ مترابطة مع الاستراتيجية. إن الخطة الشمولية المكتملة تحدد أهدافا تدعم الاستراتيجية وتتناول التكتيكات التشغيلية التي ستنجز الأهداف.
    • استراتيجية المنظمة يجب أن تتوازى مع ثقافة المنظمة وقيمها الجوهرية حتى تكون متقبلة ومعمولاً بها بنجاح. وبالمثل، فإن إيجاد خطة استراتيجية شغالة يتطلب تفهما جاداً للمقدرات الجوهرية core competencies لدى المنظمة. يضمن التخطيط أن المعرفة الأساسية والقدرات والخيرات التي تحتاجها المنظمة لتحقيق أهدافها المنشودة قد تم تحديدها وإدماجها في تكتيكات التنفيذ.
    • يجب أن يتناول التخطيط الاستراتيجي التواصل وإدارة التغيير. وإلا فإن مستويات وعناصر المنظمة لا يتوقع منها الانتظام في صف استراتيجية عامة لا يعرفونها أو لا يتفهمونها.

    الحصيلة:

    • أخذ الوقت من أجل تخطيط الاستراتيجية وتخطيط تنفيذها تبدو ثماره في النتائج. يحدد التخطيط الاستراتيجي التصرفات التي تدعم وتزود رسالة المنظمة بمقدرة النمو بنجاح. عملية التخطيط الاستراتيجي المكتملة تحدد أسواق النمو المحتملة التي يمكن أن تصبح فرصاً لاستثمار موارد المنظمة. هذه الأسواق التي يمكن أن تصبح الجيل التالي من موارد العوائد وتحل محل تلك الأسواق التي تقترب من الإشباع وتدخل في تغييرات أساسية إما تشكل أخطاراً على العمل أو تعاني من الركود والانحدار.
    • كذلك يحدد التخطيط الاستراتيجي الأولويات التنظيمية الصحيحة من خلال تحليل منهجي مفصل للمبادرات ويفرض موازاة الإنفاق مع تلك الأولويات المرتبة. إنه يوجه الإنفاق توجيهاً مسايراً للبرامج الأكثر دعماً لاستراتيجية المنظمة. وبصورة أقل ظهوراً للأعين ربما، فإن التخطيط الاستراتيجي يطال قرارات التوظيف. إن ممارسات التوظيف يجب أن تعمل لتلبية الاستطاعة اللازمة لدعم البرامج الاستراتيجية من خلال تزويد الشركة بمواهب ترد في التوقيتات الصحيحة وتمتلك المهارات الصحيحة.
    • إضافة إلى هذا، يقدم التخطيط الاستراتيجي فائدة إضافة المساءلة Accountability ضمن أداء الوظيفة وربط الحوافز إلى إكمال مبادرات وثيقة الصلة بأهداف المنظمة. في النهاية، الخطط المحكمة تُعين في تقوية ثقافة المنظمة بطاقة مطوّرة وموصّلة معمّمة. ومؤشرات أداء المنظمة ومقاييسه  Organizational performance indicators and metrics تساهم في توفر المقدرة على الرقابة والضبط والإدارة، إذ تبيّن الحاجة إلى التقييم والتحليل باكراً حيث يمكن إدخال التصحيحات على تكتيكات التنفيذ بسهولة أكثر وبزيادات أو اضطرابات في التكاليف أقل.

    ختاماً

    الطريقة الصحيحة لتسريع عملية التخطيط الاستراتيجي هي امتلاك قاعدة صلبة مكتملة الإعداد حتى تبنى عليها الخطة. والطريقة الخاطئة لإدخال السرعة في التخطيط الاستراتيجي هي القفز عنه كله أو الاندفاع اندفاعاً متعجلاً في الخطوات الضرورية ورسم خطة تفشل في تحقيق النتائج المنشودة كما هي الحال في تسعين بالمئة من كل خطط الشركات الاستراتيجية. إنها فعلاً حالة من إنجاز البداية الصحيحة نصف إنجاز.

    الكاتب: جو إيفانز.. خبير استشاري ومدرب في تخطيط استراتيجيات الشركات.

  • هل تعرفون ماذا ينقصه؟

    بطريقة ما أصبح تدريب المبيعات الناجح يستدعي في الأذهان صورة مصنف ضخمة من الاستمارات والمواد التعليمية المطبوعة يحمله معه محترف البيع عندما يعود إلى بيته (ولا يفتحه بعد ذلك أبداً).

    إن تجربة غرفة الصف هذه مرتكزة أساساً على الاستذكار الحفظي لمقررات. هناك مقدار قليل يقدم بطريقة التفاعل، والتمارين العملية، أو محادثة مجدية حول العقبات الصعبة في عالم الواقع التي ينبغي تجاوزها. صفوف التدريب عبارة عن جلسات معلبة تعلم بالطريقة ذاتها مرة بعد مرة، بغض النظر عن تغير المشهد التنافسي. في هذه المقالة نراجع أربعة عناصر حيوية ينتشر فقدها في برامج تدريب المبيعات Sales training programs الدارجة هذه الأيام. تأمل في برنامج تدريب المبيعات لديك لترى نجاته من المشكلات التالية:

    ليس مبنياً على مقابلات الفوز – والخسارة مع العملاء

    لسوء الحظ لدي خبر سيء أطلعك عليه مبني على مقابلاتي لأكثر من ألف من العملاء كجزء من دراسات تحليل الفوز والخسارة التي أجريتها لصالح عملائي.

    في ثلاثين بالمئة من الأوقات تقريباً الفوز في دورة المبيعات كان يقرر قبل بدء عملية الاختيار “الرسمية”. وفي 45 بالمئة أخرى من الأحوال، كان الزبائن قد رسا اختيارهم على من سيشترون منه في منتصف مسار العملية تقريباً.

    هذا يعني أن 75 بالمئة من الأحوال يتخذ الزبائن قرارهم في منتصف الطريق. في 25 بالمئة وحسب من الأحوال رأينا العملاء يتخذون قرارهم النهائي في نهاية عملية الاختيار. لذلك إن لم تكن أنت في الطليعة عند منتصف عملية الاختيار ففرص خسارتك راجحة.

    وهاكم حقيقة أخرى مزعجة: في كل الأحوال تقريباً لم يكن القرار حتى متقارباً بين أعلى اختيارين. رغم أن الزبائن اتخذوا قراراتهم فإنهم ظلوا يجعلون كل البائعين الآخرين يقفزون لاهثين في سلسلة من التحديات لأجل لا شيء، مضيعين بذلك وقتهم الثمين ومواردهم وطاقتهم الشعورية والذهنية.

    النقطة الرئيسة المستفادة من المعلومات السابقة هي أنك لا يمكنك فعلاً أن تدرّب فريق مبيعاتك على كيف ولماذا الزبائن المحتملون يصنعون قرارات شرائهم إن كان تدريبك غير مستند إلى مقابلات مباشرة مع صناع القرار حول الفوز والخسارة في تنافس البائعين على اختيارهم.

    يقدم نموذجاً غير مكتمل لصناعة قرار العميل

    تشترك كثير من برامج تدريب المبيعات المعاصرة في خلل أساسي واحد. إنها تنظر إلى العملاء كصناع قرار منطقيين يستخدمون المنطق والمحاكمة العقلية وحسب، هذا في حين أن محترف البيع الناجح يتفهم ويخاطب صانع القرار الوجداني والسياسي والتحت – شعوري Subconscious.

    إن برنامج تدريب المبيعات ينبغي أن لا يقتصر على تثقيف محترفي البيع حول الخصائص والوظائف ومزايا البزنس. بل يجب عليه أن يشرح الأسباب السيكولوجية التي تجعل العملاء يشترون، ويقدم أمثلة عملية واقعية على كيفية دمج عناصر سلوك المشتري ضمن استراتيجية مبيعات رابحة.

    يشتري الناس المنتجات التي يعتقدون أنها ستساعدهم في تلبية احتياجات سيكولوجية متجذرة بعمق: إرضاء الأنا، تقبل المرء كعضو في مجموعة، تجنب المعاناة، وضمان الاستمرار. كل التجليات الظاهرية الأخرى لعملية صناعة القرار لدى العميل (أي التحليل، وحسابات العائد الاستثماري، وغيرها من الدراسات الداخلية) هي ليست إلا وسائل لتحقيق هدف سيكولوجي مسيطر. لذلك ينبغي في برنامج التدريب أن يأخذ في الحسبان القيمة السيكولوجية لحلولكم، ويشرح كيف يمكن التأثير في سياسات صناعة القرار في المنظمات المستهدفة.

    يشتري الناس المنتجات التي يعتقدون أنها ستساعدهم في تلبية احتياجات سيكولوجية متجذرة بعمق

    الافتقار إلى انتقالات ثقافية مؤثرة

    لا أحد يريد الجلوس وتحمل ساعات من المحاضرات تصب في أذنيه صباً. إضافة لذلك فإن التعلم بالمثال هو الطريقة الأفضل لتعلم شيء جديد. “النقل الثقافي cultural transmission” هو أسلوب لتعلم تقنية سلوكية عن طريق محاكاة ممارس ناجح باعتباره قدوة Role model.

    هناك ثلاثة اصناف من الانتقالات الثقافية ينبغي تضمينها في برنامج تدريب مبيعات.

    أولاً: ينبغي توفر قصص نجاح حول انتصارات جوهرية مشروحة باستخدام امثلة يمكن لكل الفريق تفهمها والتعلم منها.

    ثانياً: ينبغي احتواء البرنامج على تمارين لعب أدوار role play exercises تشمل كل شيء من ديباجة المصعد elevator pitch والمكالمات الباردة cold calls إلى العروض التقديمية للشركات والمفاوضات.

    الديباجة أو ديباجة المصعد elevator pitch: مقدمة عرض وإقناع سريعة مخططة للتقديم وتغطية نقاط مهمة في فترة قصيرة جداً.

    المكالمات الباردة: مكالمات المبيعات المجراة مع أشخاص لا سابق معرفة بينهم وبين المتصل.

    ثالثاً: محترفو البيع الممتازون ينبغي أن تجري معهم مقابلات جماعية حول مبادئ أسلوبهم، استراتيجية مناطقهم، ومتى يكسبون ومتى يخسرون، يتبعها جلسة من أسئلة المستمعين الموسعة والإجابات عليها.

    لا يتناول تنفيذ مكالمات المبيعات

    كثير من الشركات يصنفون موزّعي منتجاتهم حسب القيمة وحسب درجة الأهمية الاستراتيجية للمنظمة.

    كذلك تصنف الشركات زبائنها الحاضرين تبعاً لمقدار الأموال التي ينفقونها لديها والمنتجات التي يشترونها. لسوء الحظ، شركات قليلة جداً اليوم تقوم بأي نوع من التصنيف لمكالمات المبيعات التي تنفذها قوة مبيعاتها. نتيجة لذلك فإن كثيراً من المعلومات القيمة حول ظروف الفوز والخسارة لا يتم تسجيلها، وفاعلية قوة المبيعات تضيع. مثالياً، ينبغي أن يزود محترفو المبيعات بدفتر قواعد وملاحظات (playbook) لتنفيذ مكالمات المبيعات بناءً على تصنيف المكالمات. تصنيف مكالمات المبيعات sales call segmentation هو أسلوب في تصنيف التفاعلات مع الزبائن بناءً على دور العميل المحتمل في منظمته، وتوجهه المهني (تقني، أو مالي، أو تشغيلي)، وقوته السياسية، وكيفية معالجته للمعلومات.

    الغاية من استراتيجية التصنيف هي تقديم إطار تنبؤي يساعد محترفي البيع في توقع سلوك العميل. وبما أن محترف البيع لديه تبصر أعمق حول سلوك العميل بناءً على التفاعلات الماضية فإنه سيصبح أكثر مقدرة في إجراء مكالمات مبيعات أكثر إقناعاً. كذلك تفيد هذه الاستراتيجية كمنهجية تواصل لتثقيف وإعداد الزملاء (مهندسو ما قبل المبيعات pre-sales engineers الاستشاريون ومديرو المبيعات) الذين سيحضرون مكالمة المبيعات مع البائع.

    خلاصة:

    كل الشركات الناجحة تدرب قوة مبيعاتها على عملية تنوير العملاء حول المنتجات وإجراءات تقرير مؤهلات شركة العميل والاحتياجات التقنية. ومنظمات المبيعات العظيمة حقاً هي التي تتفهم بعمق كيف يفكر صناع القرار المحتملون. تستكشف وتنشر بين قوة مبيعاتها ومعلومات كيف تمكنوا من الفوز ومتى لحقت بهم الخسارة. يحللون تفاعلاتهم مع العملاء ويقدمون لقوة مبيعاتهم تكتيكات واقعية حتى يمكنهم اختتام التعاملات اختتاماً مستنيراً ناجحاً.

    الكاتب: ستيف مارتن: مدرس استراتيجية المبيعات في كلية أعمال UCS Marshall

  • “قوة الغاية”.. لا تنتظر سعدك.. اصنعه بساعدك

    “الأشخاص الذين يكسبون في هذه الحياة هم أولئك الذين ينهضون ويبحثون عن الظروف التي يريدونها، وإذا لم يتمكنوا من إيجادها يصنعونها” جورج برنارد شو

    عند شروق الشمس، كان رجل في الستينات من عمره يتمشى على شاطئ البحر في المكسيك، وبينما كان يستمتع في نزهته الصباحية هذه، يستنشق نسيم الصباح المشرق ويستمتع بمنظر الإشراق الجميل، وكأن الشمس تخرج من أعماق المحيط، فكر في نفسه: “يا لها من شمس رائعة، ويا لها من غاية عظيمة .. تشرق الشمس لتضيء يوماً جديداً وتمنح أملاً جديداً”..

    على مسافة منه لاحظ السائح امرأة عجوزاً تنحني على الرمال، تلتقط منها شيئاً وترميه في البحر. مر بعض الوقت، ولا زالت المرأة تكرر نفس الحركة.. أثار ذلك المشهد فضول السائح، فأقترب من المرأة فوجدها تلتقط صغار السرطعون التي استقرت على رمال الشاطئ وتعيدها إلى مياه البحر. تقدم السائح إلى المرأة، حياها وسألها: “هل لي أن أسألك يا سيدتي ماذا تفعلين بالضبط؟” أجابت المرأة: “هذا الوقت من العام هو وقت فقس صغار السرطعون، وهذه الصغار دفعتها المياه نحو الشاطئ، لقد ضلت طريقها إنها عاجزة عن مساعدة نفسها، وإذا لم أعدها أنا إلى مياه البحر فسوف تموت”.

    قال السائح: “ولكن لابد أن هناك آلاف الآلاف من صغار السرطعون على هذا الشاطئ وغيرها من الآلاف على الشواطئ الأخرى.. ألا ترين يا سيدتي أنه لا يمكنك أن تحلي المشكلة؟ لا يمكنك أن تغيري من الأمر شيئاً”. ابتسمت العجوز، انحنت، والتقطت صغيراً من صغار السرطعان من الرمال ورمته في المياه، ثم التفتت إلى السائح مجيبة: “إنني أغير من وضع هذا الصغير تحديداً، وغايتي هو أن أحدث تغييراً في العالم كله”.

    الأسئلة المهمة

    والآن دعني أسألك: هل تعيش هذه المرأة لهدف معين؟ نعم، هل هي متحفزة؟ نعم، هل تأثرت بمقولة الرجل؟ هل قالت في نفسها: “هذا الرجل على صواب، وعلي أن أقلع عن المحاولة؟ لا. لقد استمرت في محاولتها لأن هدفها هو مد يد المساعدة وإحداث تغيير في الحياة.

    وأنت؟ ماذا عنك؟ وما هو هدفك في الحياة؟ ما هو الشيء الذي ترغب في تحقيقه، أو في أن تكونه، أو تمتلكه أكثر من أي شيء آخر في الحياة؟.

    أنا إبراهيم الفقي

    هدفي في الحياة أن أصل إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس من خلال كتبي وشرائطي وأنشرها في شتى أنحاء العالم لأشاركهم معرفتي، لأعلمهم أسرار القوة الشخصية بطريقة بسيطة وسهلة، تؤهلهم لاستخدام هذه الأدوات في كل مساحة أو مجال من مجالات حياتهم، ولكي يعيشوا بسعادة أكبر، وحياة أكثر نجاحاً.

    هدفي الأساسي هو رضا الله، لذلك قررت أن أبني مركزاً إسلامياً يتكون من مسجد كبير يتسع لآلاف من المصلين، وعيادة، ومركز تعليمي لتعليم الناس الحب والرحمة ومعجزات خالقنا، ومؤسسة خيرية لتقديم الطعام والمأوى للفقراء والمعوزين. هدفي الشخصي هو أن يكون لي حياة متوازنة وصحية.

    الأحلام ← الأفكار ← الأمل ← الرغبة ← الاعتقاد

    مبادئ قوة الغاية

    قوة الغاية ومبادئها الخمسة.. أنت ناجح بمجرد أن تمضي نحو النجاح

    أقول لك أمراً، إذا كنت تعرف أين تقف، وتعرف ماذا تريد، وتعرف إلى أين تتجه، فأنت في عداد أعظم رجال ونساء العالم الذين يصنعون التغيير فعلاً، سيفتح لك العالم ذراعيه مرحباً، وكما يقول نابليون هيل: “اعتاد العالم أن يصنع مكاناً للرجل الذي تبدي أقواله وأعماله أنه يعرف أين يتجه”.

    هناك خمسة مبادئ أساسية تندرج تحت قوة الهدف. الأول هو الحلم، يتبعه الأفكار، يحركه الأمل، يبعثه الرغبة، وأخيراً يعرف عن طريق الاعتقاد.

    لنكتشف معاً كل مبدأ من مبادئ قوة الهدف.

    الأحلام: لن تكون إلا ما تريد أن تكون

    من أقوال جيمس آلان الكاتب ورجل الأعمال: “اجعل أحلامك أحلاماً نبيلة، وكما تحلم ستكون. رؤيتك هي الوعد بما ستكون عليه. غايتك هي النبوءة بما ستكشف عنه في النهاية”.

    الأمر يبدأ من الحلم. في الحقيقة، الكثير مما نستمتع به في حياتنا اليومية كان في يوم من الأيام حلم شخص ما، سواء كان تلفزيوناً أم هاتفاً خليوياً، أم طائرة، أم فاكساً، أم جهازاً طبياً…

    حلم الإخوة رايت بآلة تطير في الهواء – طائرة. وها نحن جميعاً الآن نستخدم حلمهم. وحلم إدوين لاند بكاميرا تظهر الصورة بشكل فوري – فكانت كاميرات البولارويد تجسيداً لحلمه. أما حلم آرنولد شفارتزنغر فقد كان حلماً كبيراً. كشاب في مقتبل العمر نشأ في النمسا حلم شفارتزينغر بأن يكون أعظم رجل في العالم في كمال الأجسام، كما كان لديه أيضاً حلم كبير في أن يصبح نجماً سينمائياً، وهو الآن يعيش أحلامه.

    وأنا صديقك إبراهيم الفقي حلمي تحقق

    لقد حلمت في أن أكون بطل مصر في تنس الطاولة وقد كنت ما تمنيت. حلمت بأن أصبح مديراً لفندق خمس نجوم في بلد أجنبي وقد أصبحت. حلمت في أن أكون مؤلفاً لأكثر الكتب رواجاً، ومتحدثاً دولياً مشهوراً، وقد حققت جميع أحلامي.

    إذاً كل شيء يبدأ من الحلم، والأحلام تتحقق.. فما هو حلمك؟ ما هو الشيء الذي ترغب في تحقيقه أو في أن تكونه أو تمتلكه أكثر من أي شيء آخر في الحياة؟ أنت تعلم أن كلاً منا لديه الكثير من الأحلام، إلا أن معظم الناس لا يفعلون شيئاً لتحقيق أحلامهم. إنهم يحلمون وحسب.

    يقول المغامر والمستكشف البريطاني لورنس: “كل الناس يحلمون، لكن ليس كل الحالمين سواء. من يحلمون في عتمة الليل يستيقظون في الصباح ليروا أحلامهم خيالاً أو هباء، وأما من يحلمون في نور النهار فالحذر منهم كل الحذر، فربما يجسدون أحلامهم بأعين مفتوحة ويجعلونها واقعاً”.

    حتى يتحقق الحلم

    ولكي تحقق أحلامك وتعيشها، تحتاج أن تبدأ منذ البداية: أن يكون لك أحلام، ثم أن تكتبها، هكذا ستنشطها وتمنحها القوة. عندما تكتبها فأنت تستخدم جسمك وعقلك معاً. أنت تفكر بها وتنظر إليها. في فيلم “الوصايا العشر” كانت هناك عبارة تستخدم بشكل متكرر: “كما هي مكتوبة يجب أن تنفذ“.. دعنا نبدأ معاً إذا. كما يقول بريان تريسي ” الأمر يبدأ من الورقة والقلم وأنت.

    اتجه نحو حاسوبك أو كراستك، واكتب في صفحة بيضاء “قائمة أحلامي”. اكتب كل ما يخطر على بالك من أحلام دون حدود أو تبريرات.. لا تقم بتحليلها أو تقل في نفسك أنها مستحيلة، أو لا يمكن تحقيقها. تذكر أن كل اختراع بدأ من حلم، وليس من تبريرات. إذا حاولت أن تبرر حلماً من خلال الوسائل التي تملكها اليوم، فقد تحطمه بيديك. تذكر كل ما عليك أن تفعله هو أن تكتب قائمة الأحلام.

    قائمة أحلامي

    الآن هات ورقة بيضاء أخرى تكتب عليها: “قائمة أحلامي المنظمة”. أعد كتابة أحلامك مرتبة حسب الأهمية. كيف تفعل هذا؟ اسأل نفسك ببساطة: “أي حلم من أحلامي هذه هو الأهم بالنسبة لي؟ ابدأ بترتيبها من الأعلى – الأكثر أهمية – ثم الثاني، ثم الثالث، وهكذا إلى أن تنتهي القائمة.

    أسئلة هامة

    والآن أجب على هذه الأسئلة:

    هل يمكن لأحد ما في هذا العالم أن يحقق أحلامي عوضاً عني؟

    هل تستحق أحلامي الحياة؟

    هل أستحق أن أحققها في حياتي؟

    هل أنا ملتزم بفعل كل ما يمكن لتحقيق أحلامي؟

     

    بقلم الدكتور الراحل ابراهيم الفقي

  • لماذا نشتري؟

    كل واحد منا يقع في أخطاء وعثرات مالية. لكن كثيراً من هذه الأخطاء يمكن اجتنابه إن كنا قادرين على تفهم كيفية تفكيرنا في إنفاق نقودنا. فيما يلي عشرة تحيزات أصلية في أدمغة البشر أظهرت الأبحاث السيكولوجية تأثيرها على أحكامنا، وكيف يمكننا تفاديها:

    1. انحياز الوضع السائد 

    أحد أكبر الأسباب وراء خسارة الناس مالياً هو التصاقهم بما يعرفون، بالرغم من توفر خيارات أفضل بكثير. إننا نميل إلى اختيار الأشياء ذاتها التي اخترناها من قبل، ولا نتوقف عن فعل هذا حتى حين يتاح لنا خير منها من منتجات أو خدمات. وتبين الأبحاث المجراة على قرارات الاستثمار هذا الانحياز، فنرى الناس يتمسكون بخطط التوفير التقاعدي، والأسهم والقطاعات ذاتها.

    التغيير صعب لأنه يقتضي مزيداً من الجهد ونحن نريد تجنب الندم على قراراتنا الماضية. لكن لا! تذكر أن هناك قيمة أفضل بانتظارك إن كنت مستعداً للتفتيش والنظر.

    2. تبرير قرار الشراء بعد الشراء

    بعد أن نشتري شيئاً غير مناسب، فإنّنا نمنطق ما فعلنا ونحاول إقناع أنفسنا بأنه خيار صحيح مناسب.

    معظم الناس يرفضون تقبل أنهم ارتكبوا خطأ، خصوصاً في الشروات الكبيرة. يعرف المسوقون هذا، فتراهم يحاولون تشجيعم على ذلك، ويستخدمون أشياء مثل ضمانات إرجاع النقود. بعد أن تتخذ قراراً فإنك تمضي إلى إقناع نفسك بأنه القرار الصحيح، وتبدأ أيضاً بتقديره أكثر لأنه قرارك. حارب هذا! إن لم تكن الخدمات أو السلع التي اشتريتها مناسبة فأرجعها. النظم القضائية في معظم البلاد تتيح فترة خيار، فلا تحبس نفسك، افحص وأرجع ما لا يعجبك، فوراً. وتذكّر: الرجوع عن الشراء الخاطئ خير من التمادي فيه!

    3. مصيدة النسبية

    إن كانت يدك في ماء شديد الحرارة ثم وضعتها في ماء معتدل فستشعر بأنه ماء بارد. وفي موضوع الأسعار فإننا نفكر نحن البشر من منظور نسبي مشابه، والشركات والبائعون يعرفون هذا فترى الأسعار المنصوح باستخدامها في بيع المفرّق توضع مرتفعة جداً ليجري تخفيضها بعدئذ. وترى بعض الأطباق الباهظة على قوائم الطعام في المطاعم لا توضع على القائمة من أجل أن يطلبها أحد وإنما يحتفظون بها على كل حال كي تبدو أسعار الوجبات العادية معقولة بالمقارنة معها.

    ويطلق على مصيدة النسبية اسم آخر هو “مصيدة المرساة Relativity Trap” فالسعر الذي نسمعه في سياق معين يمكن أن يعمل كمرساة تحدد نطاق تفكيرنا في دائرة لا نكاد نقوى على تجاوزها.

    من السهل جداً إيقاع دماغك في مصيدة النسبية، ولكن الخروج منها ليس بالأمر المستعصي أبداً، من يريدون إيقاعك في المصيدة يطرحون أمامك خيارين كي تقبل على أحدهما متأثراً بمقارنته بالأخر، وكل ما عليك فعله أن تتعود توسيع الدائرة وتنظر بنفسك في مزيد من المقارنات التي لا يريدون لك النظر فيها.

    مثلاً: استخدم مواقع تثقيف العملاء على الإنترنت للمقارنة بين مزايا السلع وأسعارها، أو حاول مقارنة سعر ما ستشتريه بأسعار لوازم حياتك اليومية: ترى هل يستحق جهاز التسلية الإلكتروني الجديد فعلاً أن ندفع من أجله بضعة أشهر من استهلاك أسرتنا للأجبان والألبان والخبز والخضار؟ أو قيمة كسوة كاملة من الثياب؟

    4. تأثير الملكية

    يرتفع تقديرنا لقيمة الأشياء بعد أن تصبح في ملكنا. وهكذا عندما نصبح في موقف بيع أشياء تخصنا نميل إلى وضع أسعار مغالية في الارتفاع. ولعل هذا هو السبب في رؤيتك بعض الأشياء المستعملة معروضة للبيع بأسعار لا تصدق.

    خلافاً للبائعين المحترفين، يولد لدى الناس العاديين تعلقٌ عاطفيٌ بما يملكون.

    ويعمل هذا التأثير في اتجاه معاكس أيضاً. فعندما يعرض الإنسان سعراً لشراء سلعة ما على موقع مزادات يمكن أن يتملكه شعور قريب من شعور امتلاكه تلك السلعة من قبل أن يشتريها فعلاً. وهكذا قد ينتهي به الأمر إلى شرائها بسعر يفوق سعرها السائد في السوق.

    عندما تبيع وتشتري يجب عليك الاجتهاد في التخلص من تأثيرات المشاعر. تنبّه واذكر على الدوام: إن لم تكن ترسم لنفسك حدوداً بالأرقام فإن اندفاعك اللاواعي سيستولي عليك ويمضي بك وبنقودك إلى حيث لا يرضيك.

    5. انحياز تعظيم حلاوة اليوم وتصغير مرارة الغد

    يفضل البشر عموماً الحصول على حلاوة ما يشتهون فوراً وتأجيل مرارة ما لا يحبون إلى غد وبعد غد. يدعو الاقتصاديون هذه الظاهرة باسم “Hyperbolic discounting“.

    في إحدى الدراسات تضمنت التجربة اختيار الطعام لوجبتين: وجبة اليوم ووجبة بعد أسبوع. وكانت النتيجة بشرية تماماً: اختارت أكثرية الناس الفواكه للأسبوع القادم، وأما اليوم فهات الشوكلاته!

    الشيء ذاته يسري على النقود. يعرف المسوقون أننا نتحرق تحرقاً على الفوز بتنزيل أسعار فوري أمام أعيننا، وهكذا تراهم يخبّؤون الألم إلى وقت لاحق، كما يحدث في صفقات شراء الموبايلات، ولسوء الحظ فإن عروض “اشتر الآن، وادفع لاحقاً” كثيراً ما تكون صفقات تعيسة.

    من طرق مقاومة دوامة الحلاوة العاجلة أن تفكر بنفسك المستقبلية في أثناء تفكيرك وصناعتك لقرار الشراء. تصور كيف سيتأثر ويرى “أنت المستقبلي” القرار الذي يتخذه “أنت الحاضر”. إن كان “أنت المستقبلي” يسوؤه هذا القرار فإياك أن تقدم عليه.

    6. الخوف من الخسائر

    يميل الناس إلى بيع الأشياء عندما ترتفع أسعارها ويمسكونها عندما تنخفض. هذا أحد مظاهر نزوعنا الطبيعي إلى اجتناب الخسائر. ولوحظ هذا التأثير في عدد من الدراسات على التبادل في أسواق الأسهم.

    نعم إن انخفاض الأسعار قد يكون مؤشراً مهماً، لكن عليك أن تتذكر أيضاً: إن كنت تستطيع التغلب والخروج من سيطرة الخوف من الخسارة فغالباً ما ستجد نفسك في النهاية في وضع مالي أفضل.

    7. الانحياز للمألوف

    جزئياً، يرجع نجاح الإعلان في تأدية المطلوب منه إلى إعجابنا نحن البشر بما نعرف، حتى لو كانت معرفة غائمة شكلية. بل إننا نمضي -كما تبين دراسات- إلى اختيار أشياء مألوفة حتى لو وجدت أمامنا مؤشرات واضحة على أن هذا قد لا يكون الخيار الأمثل.

    دائماً وأبداً تحقق من أنك تشتري ما تشتريه لأسباب صحيحة. مجرد اتّباعك للألفة مع الشيء لا يعني سوى أن المعلنين هم الرابحون. تفكر مثلاً: إن الشركات الأصغر التي لا تستطيع أو لا تريد أن تدفع أثمان الدعايات التلفزيونية الباهظة يمكن أن تقدم منتجات وخدمات أفضل، ألا يمكن هذا؟

    8. استرجاع الماضي وتجميله

    ينزع البشر إلى تذكر قراراتهم الماضية على صورة أفضل مما كانت عليه فعلاً. إنّنا ننحاز إلى اعتبار السيارة أو مكان السكن أو قضاء فترة الإجازة اختياراً جيداً. تبدو المشكلة في هذا النزوع عندما نقف ثانية أمام صناعة قرارات حاضرة مماثلة لقرارات ماضية، وهكذا ترى أحدنا ينتهي إلى ارتكاب الأخطاء المالية ذاتها مرة أخرى: ننسى أننا وقعنا في هذا الخطأ نفسه من قبل.

    قبل صناعة قرار مالي مهم، اجتهد في الاسترجاع الدقيق للنتائج الحقيقية الفعلية لقراراتك الماضية. ما لم نكن متجردين من النظارات الوردية فإننا لا نستطيع النجاة من تكرار أخطائنا.

    9. الانحياز للمجاني!

    لكلمة “مجاني” تأثير سحري علينا، والمسوّقون يعرفون هذا حق المعرفة، إذ تبين أبحاث الاقتصاديات السلوكية أن البشر في بعض الأحيان يختارون صفقة تعيسة في مجملها لا لسبب إلا للحصول على شيء مجاناً.

    عندما يعرض عليك شيء مجاني فعليك أن تضاعف الاحتياط، والحذر وأن تتذكر أن هذه التقدمة ربما تكون حلاوة مؤقتة تجذبك وتسكنك ريثما تبتلع صفقة لاذعة الحموضة.

    10. انحياز ضبط النفس

    يرجع كثير من المشكلات والأخطاء في الإنفاق والتصرفات المالية إلى خلل في ضبط النفس. يحلو لنا الظن بأننا نسيطر على أنفسنا كل السيطرة، لكننا عندما يواجهنا الإغراء نعجز. تبين الدراسات أن البشر مغرقون إغراقاً فادحاً في التفاؤل بمقدرتهم على ضبط أنفسهم.

    وما العمل؟ طبعاً عليك تجنيب نفسك ظروف ومواقف التعرض للإغراء أصلاً، ونرى على سبيل المثال أن بعض الناس ينصحون بالتخلص من بطاقات الائتمان.

    معظم البشر في معظم الأحوال أضعف مما يظنون، لذلك يجب أن نبدأ بالوقاية أولاً ونصون أنفسنا من مداخل وتسهيلات التعرض للإغراءات والتورط في قرارات وإنفاقات لا خير لنا فيها.

  • لماذا يصعب على القادة الناجحين تغيير أنفسهم؟ (جزء3)

    يمتلك القادة الناجحون أربعة معتقدات تدفعهم في الطريق إلى المنجزات ولكنّ هذه المعتقدات ذاتها تتحوّل إلى توهّمات تمنع القائد الناجح من تغيير نفسه وترقية سلوكه والوصول إلى مستوياتِ نجاح أرقى يمتلك مؤهلاتها.
    تناولنا في الجزأين الأوّل والثاني الاعتقادات الأربعة، واختتمنا بالحديث عن مبدأ التنافر المعرفي cognitive dissonance الذي يلعب دوراً في التفسير السيكولوجيّ لتملّص البشر من رؤية الوقائع المخالفة لاعتقاداتهم.
    ونتابع الآن مع:

    توهّمات النجاح: كيف تجعل تفكيرنا خرافياً؟

    تتغلغل التوهّمات الأربعة المرافقة للنجاح في أعماقنا وتوجِد في أنفسنا شيئاً نرفض التصديق بوجوده لدينا. إنّ توهّمات نجاحنا ليست في الحقيقة إلاّ صورةً من التفكير الخرافي Superstition.

    وأكاد أسمعك عزيزي القائد الناجح تقول: “من؟ أنا! أنا إنسان متعلّم ومنطقيّ ولست خرافياً!”

    أجل، قد يمكننا تبرئة أنفسنا من الخرافات الطفولية القديمة مثل التشاؤم من نحس المرور تحت سلّم، أو كسر مرآة، أو جري هرة سوداء معترضةً طريقك. ويهزأ كثيرٌ منّا يهزأ بالخرافات بوصفها معتقداتٍ سخيفة لدى البدائيين أو غير المتعلّمين، ونؤكّد لأنفسنا أننا بعيدون جداً عن هذه المفاهيم المضحكة.
    لكن مهلاً!  مهلاً! إنّ لدى كل منّا درجةً من التفكير الخرافيّ. وفي كثير من الأحيان تتصاعد خرافية الإنسان مع تصاعد موقعه في الهرم التنظيميّ الجليل.

    من منظور علم النفس ينشأ السلوك الخرافي من اعتقادنا بأنّ فعلاً معيناً من أفعالنا يعقبه تعزيز إيجابيّ positive reinforcement هو حقاً السبب في حصول ذلك التعزيز.
    قد يكون فعلنا هذا هادفاً وقد يكون غير هادف. أو فلنقل قد يكون الفعل مؤثراً على شيء أو على شخص أو قد يكون منعزلاً ولا غاية واضحة له. لكن إن حدث شيءٌ مستحسن بعد قيامنا بهذا الفعل فإننا نوجد علاقة بين الأمرين.
    ومن خلفيتي في دراسة الرياضيات باكراً في شبابي، فإنني أعرّف التفكير الخرافيّ بلغة الرياضيات على أنّه تخليطٌ بين الارتباط correlation وبين السببية causality.

    في تجاربه، أوضح الباحث السيكولوجي سكينر B. F. Skinner كيف تنهمك الحمائم الجائعة في تكرير اهتزازات عديمة المغزى بعد أن تبعَ تلك الاهتزازات بالمصادفة المحضة- حبات طعام منثورة. وبكثيرٍ من الشبه مع هذه الحالة، يمكن للقادة الناجحين أن يكرروا سلوكاً مضراً بهم وبأدائهم عندما يرون ذلك السلوك متبوعاً بحبّاتٍ كبيرة من الربح حتى لوكان ذلك السلوك منقطعاً عن أيّ صلة بالنتائج التي أدت إلى تلك الأرباح.

    إن من أعظم التحديات التي أواجهها مساعدة القادة في تفهّم كيف أنّ تخليطهم بين “بسبب س حصل ج” وبين “مع وجود س حصل ج” قد يودي إلى “مصيدة التفكير الخرافي”.

    كيف ننجز التغييرات التي نحتاج القيام بها؟

    والآن عزيزي القائد دعنا نسلّط أضواء البحث عليك أنت. أجل، فكما تعلم لا يكاد ينجو من توهّمات النجاح أحدٌ من البشر. ضع يدك على أحد سلوكياتك المثيرة للإشكالات أوالمنفّرة، سلوكٍ تعرف أنّه يزعج الأصدقاء أو أفراد العائلة أو الزملاء، ثم اسأل نفسك:
    ترى هل أستمر على هذا السلوك لأنني أعتقد أنّ له علاقة ما بالأمور الحسنة التي كانت تحصل لي؟

    دقّق في الأمر بمزيد من التعمّق: (أ): هل يساعدك هذا السلوك في تحقيق نتائجك؟
    (ب): أم هو أحد تلك الاعتقادات الخرافية غير العقلانية التي تمتدّ خيوط تحكّمها في حياتك عاماً بعد عام؟
    إن كنت تجد السلوك في (أ) فهو سلوك “ بسبب س حصل ج ” العقلاني، وإن كنت تجده في (ب) فهو سلوك “مع وجود س حصل ج” الخرافيّ.

    إنّ التغلّب على “توهّمات النجاح” يتطلّب يقظة واحتراساً وسؤال نفسك باستمرار:
    هل سلوكي هذا سببٌ منطقي لنجاحي؟ أم إنني أخادع نفسي؟

    الخطوة الأولى في تحقيق تغيير إيجابي للسلوك هي إدراك أنّ القادة الناجحين يصعب على أنفسهم التغيير نتيجة لكل الأسباب التي ذكرناها. وإدراك أنّ الاعتقادات التي مهّدت لك طريق الوصول إلى حيث أنت يمكن أن تكون هي نفسها عوائق تمنعك من المتابعة إلى حيث تريد.

    تأمّل عزيزي القارئ: إنّ كل عملائي في مجال التدريب القيادي الشخصي personal coaching هم رؤساء تنفيذيون أو يستعدون كي يصيروا رؤساء في شركات كبيرة. ولا أتقاضى أجري إن لم يحقق العميل في سلوكه تغييراً إيجابياً قابلاً للقياس positive measurable change، ولا يقدّر حصول التغيير من قبل المتدرّب نفسه بل من قبل المتأثّرين الأساسيين المحيطين به.

    إنّ هؤلاء القياديين الرفيعين أشخاص لامعون حققوا بالفعل نجاحاتٍ مثيرةً للإعجاب ويريدون المواصلة إلى ما هو أرقى. لكن بالرغم من كل ما لديهم من اندفاعٍ داخلي ومن مقدرات فإنّ كل واحدٍ من عملائي هؤلاء سيرى ويلمس لمس اليقين أن تغيير السلوك قد يكون أمراً بسيطاً واضحاً ولكنه لن يكون سهلاً على الإطلاق.

    إذاً كيف يمكنك تحقيق تغيير إيجابي؟ كيف؟

    • ازرع في نفسك عادة سؤال الأشخاص المحوريين في حياتك عمّا يرون من خطواتٍ ممكنةٍ لتحسّنك. استثمرهم في مساعدتك للمضي من حيث أنت (والذي قد يكون وضعاً ممتازاً بالفعل) إلى حيث تريد أن تكون (الوضع الأفضل).
    • فلتعلم ولتتفهّم أنّ أوّل ما تميل إليه عندما يشير الناس إلى مواضع التحسين لديك هو الاعتقاد بأنّهم مخطئون أو أنّ رؤيتهم للوضع مشوّشة. فإيّاك أن تركن إلى هذا الاعتقاد.
      وتقبّل حقيقة أنّ اعتقادك بنجاحك السابق وبحجم مشاركتك في فريقك غالباً ما يكون مبالغاً فيه. افترض جانب السلامة والصواب فيما يقوله لك الناصحون وإيّاك أن تتجاهل احتمال أن يكونوا هم المحقّين وأنّك أنت صاحب الرؤية المشوّشة.
    • واجه حقيقة أنّك لن تفلح في تغيير إلاّ ما اخترت تغييره وأنّ الدافعية motivation والالتزام بالتغيير commitment to change يجب أن تنبع من داخلك.
      لقد سمعتُ مراتٍ كثيرة إد زندر الرئيس التنفيذيّ لشركة موتورولا Ed Zander, CEO of Motorola يعلّم قادته الواعدين القيمة الكبرى لتشجيع مشاركة الآخرين، وفي الوقت ذاته كنت أراه شديد الوضوح في تبيين أنه لا ينبغي صنع كل قرار بالتصويت أو بتحقيق التوافق. بل يجب على القادة أن يصنعوا القرارات.
      بعد أن تنصت إلى معلومات وآراء من تحترمهم، لا تعمل إلاّ على تغييرات نفسك وسلوكك التي تعتقد أنّها صحيحة مفيدة لك ولمنظّمتك. يجب أن تكون رغبة التغيير نابعةً من داخلك أنت.
    • احترس من الإفراط في تعهّد الالتزامات.  حافظ على عملية تغييرك إيجابية، بسيطة، مركزة، وسريعة.
      تفهّم وتذكّر أن نزعتك الطبيعية ستكون نحو الاعتقاد بمقدرتك على القيام بأكثر مما تطيق فعلاً.
      في السابق كنت أقترح على القادة انتقاء ناحيتين أو ثلاثاً من النواحي الأكثر حاجةً للتغيير في سلوكهم، كان ذلك أيام كنت شاباً ومثالياً، وأمّا الآن فإنني أقترح على القائد أن ينتقي ناحيةً تغيير سلوكي واحدة ويركّز على إنجاز التحسّن فيها.
    • ثابر على متابعة وتقييم تقدّمكّ بعيون وآراء من تحترمهم، وستجد نفسك تحقق تحسناً أكثر وأسرع.
      أحد عملائي، جورج بورست، الرئيس التنفيذيّ لـِ “تويوتا للخدمات المالية” George Borst, the CEO of Toyota Financial Services كان ناجحاً جداً في تغيير السلوك فانتقى ناحيةً للتغيير هي: أن يصبح مدرباً راعياً للقيادات الجديدة coach أكثر فاعلية. وعندما جلسنا لنراجع النتائج الإيجابية من خلال زملائه في العمل اتخذ هذا القرار الرائع: إن كنت أريد استمرار تحسّني كقائد فلا بد لي من الاستمرار في العمل على أشياء كهذه طوال حياتي، أليس كذلك!

    ومثلما قال الجنرال المحنّك -في بداية المقالة- مع ترقّيك في الرتب وحصولك على المزيد من الأوسمة والنجوم على كتفيك إيّاك أن تدع بريق هذه النجوم يبهر دماغك ويخدعه. تفهّم أن كل ترقية يمكن أن تعني زيادةً في صعوبة تغيير نفسك. وازن على الدوام بين الثقة التي جعلتك تصل إلى هنا –موقعك الحاليّ- وبين التواضع الذي يلزمك كي تصل إلى هناك، إلى الموقع الذي تملك إمكانيات التقدّم نحوه.

    نقلا عن المقالة الأصلية: http://www.marshallgoldsmith.com/articles/the-success-delusion

  • لماذا يصعب على القادة الناجحين تغيير أنفسهم؟ (جزء2)

    يمتلك القادة الناجحون أربعة معتقدات تدفعهم في الطريق إلى المنجزات ولكنّ هذه المعتقدات ذاتها تتحوّل إلى توهّمات تمنع القائد الناجح من تغيير نفسه وترقية سلوكه والوصول إلى مستوياتِ نجاح أرقى يمتلك مؤهلاتها.
    مررنا في الجزء الأوّل من هذه المقالة على الأسباب التي تجعل البشر (وخصوصاً القادة الناجحين) يستصعبون تغيير أنفسهم، وعرضنا التوهّم الأوّل: “لقد نجحت!”  ونتابع الآن مع:

    الاعتقاد الثاني: أستطيع أن أنجح

    يعتقد الناجحون أنّهم يملكون القدرة على إحداث تأثيرٍ إيجابيّ في العالم وعلى تحويل الطموحات إلى منجزات.
    إنّ حالة الاعتقاد القويّ هذه لا تطابق ما يجري على المسرح في المهرجانات حين يقوم أصحاب المقدرات الذهنية الخارقة بتحريك الأغراض الموضوعة على الطاولة بأذهانهم، ولكنّها قريبة منه. والتوصيف الدقيق هو هذا:

    يعتقد الناجحون أنّهم بالاعتماد على القوى الكامنة في شخصيتهم وموهبتهم وعقلهم وحسب يستطيعون تسيير أيّ موقف إلى الوجهة التي يريدون.

    هذا الاعتقاد هو الذي يجعل بعض الناس يرفعون أيديهم قائلين “أجل! أدخلني في المشروع” عندما يطلب القائد متطوّعين، بينما يتوارى آخرون إلى الظلّ وهم يرجون ألا ينتبه لوجودهم أحد.

    إنّ هذا الاعتقاد يجسّد التعريف التقليديّ السائد لـمفهوم “فاعلية الذات self-efficacy“، ولعلّه الاعتقاد المحوريّ الأكبر دوراً في تحقيق النجاح الشخصي. إن الناس الذين يعتقدون بمقدرتهم على النجاح سيرون فرصاً حيثما يرى الآخرون تهديدات. إنّهم لا يفزعون من الارتياب ولا من الغموض Uncertainty and ambiguity بل يقتحمونها اقتحاماً. إنّهم يقدمون على مخاطر أكبر ويحققون مكاسب أوفر. وحين يوضع أمامهم الخيار فإنّهم يختارون المراهنة على أنفسهم.

    ويوجد لدى الناجحين أيضاً شعورٌ مرتفع بأنّ مركز التحكّم بمصيرهم يقع داخل أنفسهم  high internal locus of control. وبكلمات أخرى: لا يشعرون بأنهم ضحايا خاضعة لتقلبات الدهر القاهرة”. إنّهم يرون نجاحهم نتيجةً متعلّقة باندفاعهم ومقدرتهم وليس بالحظ أو بالصدفة. ويظلّون متمسّكين بهذه الرؤية حتى عندما يلعب الحظ فعلاً دوراً حاسماً في تحقيق نجاحٍ معيّن.

    قبل سنوات، أراد ستةٌ من شركائي الدخول في تعاقدٍ ضخم. ولأنني كنت الشريك الأكبر فقد كانوا بحاجةٍ لموافقتي. كنت معارضاً لتلك العملية دون أي تردد وقلت لهم بصراحة إنّها فكرةٌ خرقاء، لكنني في النهاية وافقت مكرهاً متذمّراً. وبعد سبعة أعوام كان الربح الذي يأتيني من ذلك الاستثمار “الأخرق” عدداً هائلاً يكتب بأكثر من سبعة أرقام.
    لم يكن هناك أيّ مجال لإرجاع الفضل في وقوع تلك الثروة عليّ إلى أيّ شيء سوى الحظّ المغمض عينيه.
    لكن عندما ذكرت القصة لمجموعةٍ من الأصدقاء الناجحين لم يقبلوا برؤيتها على هذا النحو. لقد أصرّوا على أنّ تلك الثروة كانت ثمرةً مستحقةً عن جدارةٍ لسنواتٍ من العمل الجاد والمثابرة. إنّها الإجابة الافتراضية المتوقعة من الناجحين. ينزع الناجحون إلى الاعتقاد بأنّ الأرباح والمنجزات الكبيرة قد جرى اكتسابها بفضل اندفاع المرء ومقدراته، حتّى لو لم تكن هذه حقيقة الأمر فعلاً.

    طبعاً، هذا الاعتقاد ليس منطقياً مثلما أنّه ليس منطقياً أن يرث أحدهم ثروة ضخمة ثمّ يعتقد بعد ذلك بأنّه عصاميّ صنع نفسه بنفسه. إن ولدتَ لتجد الكرة على قدمك والمرمى مفتوحاً أمامك فلا ينبغي لك أن تظنّ أنّك لعبت بمهارة وسجّلت هدفاً رائعاً بكل جدارة.

    يعتقد الناجحون بأن هناك علاقة سببية بين ما كانوا يقومون به وبين النتائج التي جاءت بعد ذلك حتّى لو لم توجد علاقة سببية في الحقيقة. إنّ هذا الاعتقاد توهّمي مضلّل لكنّه دافعٌ محرّك أيضاً.

    إنّ هذا الاعتقاد يبقى بالتأكيد خيراً من البديل المقابل في الطرف الآخر:

    انظر مثلاً إلى من يعتادون شراء بطاقات اليانصيب (أو اللوتو). غالباً ما يكون هؤلاء من الناس الأقلّ نجاحاً. ومن هذا المنظور فإنّ مؤسسات اليانصيب المملوكة للدول تعمل كمؤسسات لجباية ضريبة عكسية تسحب من جيوب الفقراء.

    إن كان أحدهم يعتقد أنّ النجاح تابعٌ للحظّ فلن يجد غضاضةً في اعتياد شراء بطاقات اليانصيب. والعكس صحيح، ولذلك فإنّك لا تكاد ترى ثرياً يضيّع ماله ووقته في شراء البطاقات وانتظار ما تجود به أرقام الحظ المخفيّة.

    وتزداد الأمور سوءاً على سوء حين يربح أحد مدمني البطاقات فعلاً! وغالباً ما نراه يبدّد ثروته في زمن قصير جداً كأنّها لك تكن إلاّ حلماً، فها تعرف لماذا؟
    نعم، لأن المعتقدات الخاطئة لدى هذا الشخص التي أوصلته إلى شراء البطاقات سيزيدها ربح الجائزة الكبرى تعزيزاً.

    إنّ الناجحين يستبدلون “عقلية اليانصيب” هذه بإيمانٍ لا يتزعزع بأنفسهم. ولكنّ هذا الإيمان والثقة تشكّل عائقاً إضافياً يصعّب عليهم تغيير سلوكهم عندما يحتاجون إلى ذلك. عندما يملؤنا الاعتقاد بأنّ حظوظنا الطيبة والرياح المواتية التي تدفع سفننا كما نشتهي مرتبطةٌ ارتباطاً مباشراً وسببياً بسلوكنا فإننا يمكن أن ننزلق بسهولةٍ إلى وضع افتراضٍ زائف.
    سيفترض أحدنا قائلاً لنفسه: أنا ناجح، وأنا أتصرف هكذا. إذاً: أنا ناجحٌ بسبب أنني أتصرف هكذا.

    ولعلّه من أصعب التحديات مساعدة القادة الناجحين كي يدركوا أنّ نجاحهم يحصل في بعض الأحيان بطريقة تخالف النتائج المنطقية المتوقّعة لبعض تصرّفاتهم.

    الاعتقاد الثالث: ولسوف أنجح دوماً!

    الناجحون متفائلون، وكل من خاض ميادين العمل في المبيعات يعرف هذا القانون: (إن كنت تعتقد أنّك ستنجح فربما تنجح أو لا تنجح. لكن إن لم تكن تعتقد انّك ستنجح فبالتأكيد لن تنجح!) ويميل المتفائلون إلى الإفراط في تحمّل الالتزامات وقطع الوعود، لماذا؟ لأنّ واحدهم يعتقد بأنّه سيستطيع القيام بأكثر مما يطيق فعلاً.

    وهكذا نرى الشخص الطموحٌ الذي تملأ وجدانه قناعة “سوف أنجح” يجد صعوبةً هائلةً في قول “لا” وترك الفرص المغرية التي تمرّ به. إنّ الأغلبية الساحقة من القادة الذين أتعامل معهم هذه الأيام يشعرون بازدحام ضاغطٍ أشدّ مما عهدوه في الماضي. لا يرجع هذا الازدحام الضاغط إلى أنّهم فاشلون، بل هم مشغولون شغلاً ضاغطاً لأنّهم فائزون. إنّهم يغرقون غرقاً في بحرٍ غامر من الفرص.

    ربما تذكر عزيزي القارئ مرورك بهذه الحالة. في سياق عملك قد تحقّق إنجازاً رائعاً، وفجأةً تجد كثيراً من الناس يركضون نحوك ويرغبون في أن تكرّر لهم النجاح الخارق الذي صنعته لغيرهم. إنّهم يظنّون – وظنّهم منطقيّ جداً- أنّك إن اجترحت المعجزةً مرةً فيمكن أن تفعلها ثانيةً لأجلهم. يتدفق عليك سيل الفرص بغزارةٍ لم تعهدها من قبل، ولأنّك تحمل اعتقاد “سوف أنجح” ولأنّك تستصعب جداً قول “لا” للفرص فإنّك يمكن أن تغرق وتنهار. إن لم تكن حذراً فإنّ الأمر الذي جعلك تتقدّم وترتقي سيصير سبباً في سقوطك.

    خذ هذا المثل الواقعيّ: ضمن عملي التطوّعي كان عميلي ذات مرة المدير التنفيذيّ لإحدى أهم منظمات الخدمات الإنسانية في العالم. كانت رسالته تقديم يد العون إلى أكثر الناس حاجةً وضعفاً، ولسوء الحظّ فقد كانت أبواب العمل مفتوحةً عليه من كل جانب. عندما يأتيه الناس طالبين العون لم تكن نفسه تطاوعه على ردّ أحد بكلمة “لا”. كانت الأمور تجري مدفوعةً باعتقاده “سوف ننجح”، ونتيجةً لذلك تورّط بتعهّداتٍ لا يطيق الوفاء بها أكثر طواقم العمل إخلاصاً واجتهاداً.
    لقد كان المطلب الأشد تحدياً أمامه كقائد هو: منع تفاؤله الذاتي من التسبب في إجهاد العاملين معه إلى حدّ “الاحتراق النفسي burnout“، أو دفعهم إلى المغادرة والاضطرار إلى استبدالهم، أو عجز المؤسسة عن القيام بالتزاماتها.

    إنّ عقلية وموقف “أستطيع النجاح في هذا!” يمكن أن تقضي على فرص نجاحنا بالتغيير عندما نصل إلى أوقاتٍ ينبغي فيها تغيير سلوكنا.

    وبسبب إدراكي عسر تغيير السلوك هذا فإنني لا أخفي أبداً ولا أتحرّج من اهتمامي المفرط بمتابعة الأمور مع عملائي للتأكّد من أنّهم ينجزون ما أعلّمهم وأنصحهم ويحققون تغييراً إيجابياً في سلوكهم.
    ينوي كل المشاركين في برامج تدريبي القياديّ تطبيق ما تعلموه عندما يرجعون إلى شركاتهم، ويقوم معظمهم بذلك فعلاً ويتحسّنون، لكن هناك أيضاً كثيرون لا يفعلون شيئاً على الإطلاق بما تعلموه، ويبقون على الحال نفسه يوماً بعد يوم.
    وعندما اسأل هؤلاء “القاعدين” لماذا لم تقوموا بالتغييرات السلوكية التي أعلنتم عزمكم عليها؟ فإنّ الجواب الأعم هو: لقد عزمت على ذلك فعلاً، لكن لم يتح لي الوقت. وبكلمات أخرى كانوا غارقين في التزامات تتعدّى طاقتهم.
    إنّهم يعتقدون صادقين بأنّهم سيقومون بذلك فيما بعد لكنّ “فيما بعد” هذه لم تأتِ أبداً.

    إنّ تفاؤلنا المفرط وما ينجم عنه من إسراف في تحمّل الالتزامات يمكن أن يصبح عقبةً في وجه تغييرنا لا تقل خطورةً عن خطورة إنكارنا وتعامينا عن التغذية الراجعة التي تكشف نقاط ضعفنا، أو خطورة اعتقادنا بأنّ مسالكنا العوجاء وثغراتنا هي سبب نجاحنا.

    الاعتقاد الرابع: أنا اخترت أن أنجح

    يعتقد الناجحون أنهم يقومون بما يختارون القيام به لا لشيء سوى أنّهم يختارون القيام به. تملؤهم حاجة داخلية قوية إلى تقرير مصيرهم بأنفسهم self-determination.
    عندما يقوم الإنسان بما يختار القيام به فهذا إنسان ملتزم committed لكن عندما يقوم بما يجب عليه القيام به فهذا إنسان مُطيعٌ ممتثل compliant.

    الفرق بين الالتزام والامتثال واضح يمكن للطفل الصغير أن يراه. وأنا كاتب هذه السطور المغرم بالتدقيق والسؤال ألاحظ أيضاً أنّ بعض المعلّمين يختارون مهنة التعليم اختياراً (يحبّون أن يعلّموا) وبعضهم يقومون بها لكسب الرزق وحسب، وأنّ أفضل المعلمين دون شك هم الفئة الأولى. إنّهم ملتزمون ذاتياً تجاه تلاميذهم وليسوا محكومين مسيّرين بعوامل خارجية (الأجر الشهريّ).

    يتميّز الناجحون بنفورٍ شديد من رؤية أنفسهم واقعين تحت تحكّم أو تسيير خارجي، وإنني أرى هذا الأمر يومياً من خلال عملي. فرغم الدعم الهائل الذي أتلقاه سلفاً بوصفي إنساناً معروفاً بمقدرته في مساعدة الآخرين على التقدّم فإنني ما أزال ألاقي مقاومةً لدى من أريد مساعدتهم. وهكذا فإنّك تراني الآن متقبّلاً لحقيقة أنني لا أستطيع جعل الناس يتغيّرون. وكل ما أستطيع فعله هو: مساعدتهم في تحقيق نتائج أفضل في الأمور التي يختارون العمل على تغييرها.

    لقد كتب مدرّب كرة السلة ريك بيتينو كتاباً بعنوان “النجاح اختيار Success Is a Choice ” وأنا أوافقه على هذا، وأقول إنّ اعتقاد “اخترت أن أنجح” يرتبط بتحقيق المنجزات في كل الميادين. الناس لا يتعثّرون بالنجاح مصادفةً بل يختارونه اختياراً.

    ولسوء الحظ فإنّ جعل الناجحين القائلين “اخترت أن أنجح” يقولون “واخترت كذلك أن أتغيّر” ليس بالتحوّل اليسير أبداً. إنّه يعني قلب ذلك الالتزام القويّ رأساً على عقب. كلماتٌ سهلٌ قولها صعبٌ تحقيقها. فكلّما اعتقدنا أن سلوكياتنا هي نتيجةٌ لاختياراتنا والتزاماتنا كلّما تضاءلت فرصة إقبالنا على تغيير تلك السلوكيات.

    يوجد سببٌ مفهومٌ لهذه الصعوبة، وهذا السبب هو مبدأ من أكثر المبادئ تلقياً للاهتمام والبحث في علم النفس: إنّه التنافر المعرفيّ cognitive dissonance. يشير هذا التنافر المعرفيّ إلى التعارض بين ما نريد أن نعتقد وبين ما نختبر فعلاً في عالم الواقع. والنظرية الأساسية وراء هذا المبدأ بسيطة: كلّما اشتدّ توقنا إلى الاعتقاد بصحة شيء كلّما تضاءل احتمال تصديقنا بصواب عكسه، حتّى لوكان ذلك في مواجهة أدلة واضحة تبيّن أننا مخطئون.

    في العادة، يعمل التنافر المعرفيّ لمصلحة الناجحين عندما يطبقونه على تحقيق رسالتهم. فكلّما ترسّخ توقنا والتزامنا بتصديق أننا على الطريق الصحيح، كلّما تضاءل احتمال تصديقنا باختلال إستراتيجيتنا، حتّى في حضور أدلّة أولية تشير إلى احتمال خطئنا.

    إلى هذا السبب يرجع صمود الناجحين صموداً لا يعرف الانثناء أو التردّد في أوقات الشدائد. إن التزامهم بأهدافهم ومعتقداتهم يتيح لهم مشاهدة الواقع عبر نظّاراتٍ وردية، وهذا أمر حسن في كثير من المواقف. إن التزامهم يلهم الناس على الاستمرار في المسيرة وعلى المضيّ قدماً مهما توعّرت الطريق.

    وبالطبع، فإنّ هذا المبدأ نفسه يمكن أن يعاكس مصلحة الناجحين في فترات احتياجهم إلى تغيير المسار. إن المقولة الذائعة “المنتصرون أبداً لا يتراجعون” كثيراً ما تكون صحيحة، لكن في بعض الأحيان يصبح ضرورياً جداً تراجع الناس -حتى الناجحين منهم- عن أساليب تصرف غير نافعة، والتراجع شديد الصعوبة على الناجحين!

    في الجزء التالي والأخير نتابع مع البروفيسور غولدسميث:
    توهّمات النجاح كيف تجعل تفكير القادة الناجحين خرافياً؟
    وكيف ننجز التغييرات التي نحتاج إلى القيام بها؟

    نقلا عن المقالة الأصلية: http://www.marshallgoldsmith.com/articles/the-success-delusion/

زر الذهاب إلى الأعلى