العامل المبدع | د. طارق السويدان
الإبداع في العمل ينطلق من صاحب النفس الطموحة التي لا تقف عند حد حب الذات، وتفضيل الأنانية على الآخرين..
وإنما يحب أن يبدع في كل شيء موجه للجميع، للآخرين غير ذاته، ويسأل وجدانه: وماذا يحب الآخرون؟
إنهم يحبون تلبية حاجاتهم المعنوية، كما يحبون قضاء حاجاتهم المادية على حد سواء، طبعاً نحن نتحدث عن الأسوياء من أهل القلوب الإنسانية في الحياة..
لا بد للمبدع أن يرضي نفسه في إنتاجه وعمله، ليكون مؤثراً على الآخرين، جاذباً لهم، ملائماً لمتطلباتهم، يسهل الحصول عليه، وأن يكون جميلاً بديعاً..
ولهذا كله وأمثاله ينبغي للمبدع أن ينظر في عمله ويسأل نفسه: هل اغتبطت النفس – نفسه طبعاً – بهذا الإنتاج وسُرَّت؟ وهل شعر وجدانه بالحبور والسرور من هذا المنتج؟
وقديما قيل: ما يخرج من القلب يدخل إلى القلب، فإذا خرج الإنتاج من رضاء القلب يدخل ببساطة إلى قلوب الآخرين ورضاهم، وقد أشار إلى هذا المعنى الرسول الكريم “صلى الله عليه وسلم”: “إن الله يحب المرء إذا عمل عملاً أن يتقنه”.. وهل الإتقان إلا من الإبداع؟
فإذا رأى إنتاجه لنفسه، ورجاه أن يتملكه عند ذلك يستطيع أن يدخل عالم الآخرين، من هنا كان الغش ممجوجاً في عالم البشر، كالغش في الكلمات والضحك على عقول الناس والعبث بمشاعرهم، منبوذاً مرفوضاً الاستماع عليه أو الإقبال على إنتاجه، حتى أُبعد الغاش عن المجتمع المسلم ونُبذ بقوله “صلى الله عليه وسلم”: “من غش فليس منا”.
على رواية عموم الغش (من غش) مجرد من أي قيد سواه..
ومما يلفت النظر في هذا الميدان أن العطاء صدقةُ أمر مرفوض وذلك إن لم يكن فيه الإبداع النفسي، بأن تعطي شيئا للآخر، والنفس تكرهه، أو تغمض فيه أو تبعد عينه عنه، قال تعالى: “أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه” (البقرة: 267).
هذا في العطاء بلا مقابل، فكيف إذا كان الآخر يدفع شيئاً يقابله من ماله؟ أو زمناً من وقته، أو إحساساً من فكره للحصول على إنتاج الآخرين؟
يريد الآخر أن يستمتع بما يسمع أو يرى، ويرجو أن ينتفع بما يشتري، ويأمل دائماً الأفضل في كل شيء بأرخص التكاليف.
فالمبدع فقط هو الذي يقدم للآخرين تطلعاتهم بما يحبون ويشتهون، ألا ترى في أمور الحياة مثله، ويبتعد من التصنع في عمله، وليس في ضميره ما يؤنبه ولو كان هذا خفياً.. سواءً في كاتب مقالة، أو محرر صحيفة، أو خطيب، أو تاجر، أو عامل في صفوف العمل، أو معلم في العلوم والمهن، أي أن الإبداع عام ينطبق على جميع الأعمال، ويريده كل إنسان سوي، يستعلي بإنسانيته على شح الذات والأنانية..
فكن مبدعاً تنل الرضا، رضا الخالق والمخلوق، وتحيا راضياً في الحياة تحب الآخرين ويحبونك..
مجلة عالم الإبداع
العدد 33