منذ عام 1982 كنا أنا وباري بوسنر ندأب معاً على استكشاف ما يقوم به القادة لتحريك الآخرين وجعلهم يريدون الكفاح في سبيل طموحات مشتركة. ألّفنا معاً أكثر من ثلاثين مطبوعة من كتب ودفاتر عمل وأدوات تقييم مستندة إلى أبحاثنا، بما في ذلك كتابنا الأكثر مبيعاً “تحدي القيادة The Leadership Challenge” وفي عام 2008 أنهينا أحد أكبر مشاريعنا طموحاً: تحليل 950 ألف إجابة على لائحتنا “جرد الممارسات القيادية Leadership Practices Inventory” في ثمانين ألف تقييم شخصي من قادة، وثمانمائة وسبعين ألف تقييم من ملاحظين يعرفون أولئك القادة.
خلال الأيام الماضية تراجعت خطوات إلى الوراء لأنظر من بعيد إلى كل هذه المعطيات وسألت نفسي: إن كان لي أن أضع قائمة بأهم عشرة دروس قيادية تعلمتها خلال كل هذه السنين فما عساها تكون هذه الدروس العشرة؟
في السطور التالية أقدم لكم ما خرجت به، وقبل المتابعة يجدر التذكير بأننا وجدنا أكثر من هذه الدروس العشرة بكثير، وهذه ليست لائحة مستغرقة، وربما تجدونني أغيرها بعد فترة قصيرة بعد مزيد من التأمل في الموضوع.
-
القيادة شغل كل واحد
-
المصداقية أساس
-
القيم الشخصية تحرك الالتزام
-
إما أن تقود بالقدوة أو لا تقود أبداً
-
التطلع إلى الأمام ركيزة قيادية لابد منها
-
القضية ليست رؤية القائد وحده
-
التحديات هي الأبواب لتحقيق العظمة
-
القادة لاعبو فريق
-
القيادة علاقة
-
الاهتمام قلب القيادة
1. القيادة شغل كل واحد
في كل وقت وحيثما ننظر نرى قادة. يأتون من كل أنواع المنظمات العامة والخاصة، الحكومية وغير الحكومية، عالية التقنية ومنخفضة التقنية، الكبيرة والصغيرة، وفي المدارس والخدمات الاحترافية. نرى من هؤلاء القادة شباناً ومسنين، ذكوراً وإناثاً مستقيمين على أخلاقيات المجتمع وناشزين، ونراهم في كل مجموعة إثنية. يأتون من كل حرفة وكل مجال يمكن أن يخطر في البال.
بكلمات أخرى، القيادة ليست رصيداً محتكراً لثلة من البشر الكاريزماتيين الذين وهبوا في جبلّتهم نوعاً من القوة الخاصة. وكذلك القيادة ليست مسألة سلطة أو نفوذ مكتسب بحكم الموقع والبيئة التنظيمية. وهي ليست مسألة شخصيتك الشهيرة أو ثروتك الوفيرة، ولا ولادتك في عائلة معينة، ولا حيازتك هذا المنصب الرفيع في قمة الشركة أو الجيش أو الوزارة. وهي بالتأكيد ليست أن تكون بطلاً.
القيادة نسق من المهارات والمقدرات الممكن التوصل إليها وتعليمها لأي إنسان لديه الحافز والرغبة بتعلمها.
2. المصداقية أساس
خلال تلك السنوات الست والعشرين الماضية، كنا نسأل الناس حول العالم هذا السؤال: ما الذي تطلبونه وتقدرون وجوده في القائد، ذلك القائد الذي تتبعون إرشاده باقتناع ورغبة؟
(والكلمة الأساسية في هذا السؤال هي “باقتناع ورغبة”)
ما وجدناه من بحثنا في خصائص القائد المحترم هو أن الناس يطلبون أكثر من أي شيء آخر أن يكون القائد ثقة Credible ببساطة يحتاج الناس إلى الإيمان بقادتهم.
ولأن موجودات بحثنا كانت ملحوظة على نطاق واسع وفي تقدير متقدم على الدوام فقد توصلنا إلى تحديدها بوصفها: “قانون القيادة الأول”.
المصداقية والموثوقية هي “قانون القيادة الأول”: إن لم تكن تؤمن بالرسول فلن تؤمن بالرسالة.
وما هي الموثوقية سلوكياً؟ كيف تعرفها حين تراها؟ عندما طرحنا هذه الأسئلة كانت الإجابات التي حصلنا عليها واحدةً في الأساس، بغض النظر عن اختلافات التعابير. القادة الثقات يتحدثون بأفعالهم، يمارسون ما يطالبون الآخرين به، مستقرون في أقوالهم وأفعالهم. وينجزون ما يعدون. وقادنا هذا إلى “قانون القيادة الثاني”:
حتى تكون قائداً ثقة ينبغي أن تفعل ما تقول إنك ستفعله.
3. القيم الشخصية توجد وتحرك الالتزام
في قانون القيادة الثاني، جزآن رئيسان: جزء القول وجزء الفعل. يتوقع الناس من قادتهم الوقوف مدافعين عن مبادئهم. لكن كي تقف مدافعاً عن مبادئك ينبغي أن تعرف (ماذا تمثل، ماذا تؤيد، ماذا تتسامح معه).
حتى تحقق بالفعل ما تتحدث عنه بأقوالك ينبغي أن تتحدث بأقوالك عن أفعالك، حتى تقوم بما تقول ينبغي أن تعرف ما عليك أن تقول. كي تنشأ لتستديم الثقة الشخصية، ينبغي أولاً أن تكون قادراً على التعبير تعبيراً مبيناً عن اعتقاداتك ومبادئك الراسخة عميقاً في صدرك.
ومن خلال بحثنا نعرف أن أولئك القادة الأكثر وضوحاً في الإعراب عن قيمهم الخاصة، والذين يرون التلاؤم بين قيمهم الخاصة وقيم المنظمة التي يخدمون هم القادة الأكثر التزاماً. وضوح القيم الشخصية أساسي لالتزام القائد واستقامته وأصالته.
4. إما أن تقود بالقدوة أو لا تقود بالمرة
الجزء الثاني في اكتساب الموثوقية هو جزء الفعل، الطريقة الوحيدة ليعرف الناس أننا نقدر شيئاً هي عندما يرونه في أفعالنا، عندما يمارس القادة ما يعظون به فإنهم يصبحون قدوات – أمثولات – “Role Model” لجمهورهم. والقادة الظاهرون في العيون كقدوات مثالية لديهم وحدات عمل أعلى أداء.
في الواقع في تحليلنا الأحدث لأكثر من 950 ألف إجابة على لائحتنا “جرد الممارسات القيادية” وجدنا أن تجسيد المنهج هو الممارسة القيادية التي لها الأثر الأكبر على أداء التابعين أكثر من كل الممارسات القيادية الخمس الأخرى في نموذجنا.
إن استطعت كقائد القيام بشيء واحد لتحفيز حيوية الأداء في الآخرين، إن هذا الشيء سيكون – بناء على معطيات بحثنا – هو ترسيخ قدوة قائمة على نسق من القيم المشتركة.
5. التطلع للأمام ركيزة قيادية لابد منها
في أحدث استطلاعاتنا، 72% من المشاركين اختاروا “التطلع للأمام” كواحد من أكثر الخصال القيادية التي يطلبون. وبين كبار القادة التنفيذيين كانت نسبة من يتوقعون هذه الخاصية 88% ينتظر الناس من القادة أن يكون لديهم إحساس بالتوجه وانشغال بمستقبل المنظمة. القادة القدوات قادرون على تصور المستقبل، على التأمل عبر الأفق الزمني وتخيل الفرص الأكبر القادمة. هم قادرون على تطوير تصور فريد للمستقبل. هذه المقدرة أكثر من أية مهارة قيادية تميز القادة عن المساهمين الفرديين.
6. القضية ليست رؤية القائد وحده
في نقطة معينة خلال كل هذا الكلام على مر السنين عن أهمية التوجه للمستقبل، يتملك القادة شعور بأن رؤيتهم هي حلم الشعوب، غلط! هذا ليس ما يتوقعه التابعون. نعم، يُتوقَّع من القادة أن يكونوا متطلعين إلى الأمام لكن لا يُنتظَر منهم أن يكونوا أنبياء. القيادة الأمثوليّة ليست مسألة الفيض بإلهامات قدسية المصدر.
ما يريد الناس حقاً أن يسمعوه ليس رؤية القائد وحسب. يريدون أن يسمعوا عن تطلعاتهم هم أيضاً. يريدون أن يسمعوا كيف أحلامهم ستصبح حقيقة، وآمالهم ستنجز. أفضل القادة يتفهمون أنهم يفترض أن يلهموا رؤية مشتركة، لا أن يسوقوا رؤية للعالم متمحورةً حول ذواتهم وتصوراتهم.
7. التحديات هي الأبواب لبلوغ العظمة
عندما سألنا الناس أن يخبرونا عن أفضل تجاربهم القيادية شخصياً، تحدثوا عن أوقات الأزمات، الضوائق، التغيير، والمصاعب الكبرى.
إننا لا نبذل قصارى جهدنا عندما نتابع السير في الوضع السائد كما هو أو عندما نشعر بأننا نعمل على راحتنا. المواقف التي تستخرج أقصى ما لدينا هي تلك التي تتحدانا. دراسة القيادة إذا هي دراسة كيف يقود الرجل أو المرأة الناس خلال الشدة، عدم اليقين، الانشقاق، التحول، الانتقال، التعافي، البداية الجديدة، وغيرها من التحديات الكبرى. وهي كذلك دراسة كيف الرجل أو المرأة في أوقات الثبات والهدوء، يسعى بنشاط وفاعلية لتحريك الوضع الراهن وإيقاظ احتمالات جديدة. ببساطة: القيادة والتحدي متلازمات لا انفكاك بينهما.
8. القادة لاعبو فريق
لا يستطيع القادة القيام بالأمور وحدهم، لا يعرف في التاريخ قائد واحد تمكن من إنجاز شيء استثنائي بنفسه، وفي ناحية الأداء المتميز يتفوق التعاون على كل من التنافس والجهود الإفرادية. وفي قلب التعاون تقع الثقة، من دون الثقة لا يمكنك أن تقود. كما عبر لنا عن الأمر أحد القادة: “لدي رغبة قوية في أن أكون جزءاً مما يجري. لا أن أكون مجتزءاً عنه. لا أعتقد أن الناس يسرهم العمل مدداً طويلة لدى أحد لا يريد أن يكون جزءاً مما يجري”.
9. القيادة علاقة
القيادة علاقة بين هؤلاء الذين اختاروا أن يقودوا وهؤلاء الذين اختاروا أن يتبعوا. أية مناقشة للقيادة يجب أن تتطرق إلى ديناميكيات هذه العلاقة، القادة الأمثوليون منصرفون إلى بناء علاقات قائمة على الاحترام والاهتمام المتبادلين، لأنهم يعلمون أن جودة العلاقة ستقرر جودة النتائج.
الذكاء المشاعري لدى القادة يؤثر ويساهم في فاعليتهم أكثر مما تفعل تجربتهم وخبرتهم. وفي ذلك يعبر أحد القادة بالقول: “قد لا أكون الشخص الأكثر معرفة، لكنني أعرف كيف أجعل الناس الآخرين يتفكّرون في أنفسهم بطريقة جيدة” يالها من مقدرة عظيمة يحسن امتلاكها.
أفضل القادة يعرفون أن عملهم ليس اكتساب القوة لأنفسهم، بل جعل الآخرين يشعرون بأنهم أقوياء وقادرون.
10. الاهتمام قلب القيادة
بعكس كثير من التوهمات الشائعة حول كيف ينبغي على المدير أن يكون بارداً وعقلانياً “ليس الأمر شخصياً إنه العمل التجاري وحسب” يبين البحث العكس تماماً.
القادة والمديرون الأرفع أداء هم الأكثر انفتاحاً واهتماماً. يُبدون مزيداً من التعاطف تجاه الآخرين ويرغبون أن يكون الآخرون أكثر انفتاحاً عليهم. والقادة الأمثوليون يتفوقون في تحسين الأداء من خلال مزيد من العناية بقلوب البشر.
الصعود إلى أقصى القمة شاق وقاسي الانحدار. التحديات هائلة ومفزعة أحياناً. وفي مواجهة هذه الاحتمالات يجب على القادة استدامة الرجاء الحسن وبث التشجيع حولهم، والبحث واضح جداً: الآمال العالية تؤدي إلى إنجازات عالية.
أرجو أن تضيف عزيزي القارئ دروسك القيادية الأكثر أهمية إلى هذه اللائحة: أفضل القادة هم أفضل المتعلمين، وأنا متأكد من أن هناك الكثير جداً لتعلمه منكم أعزائي القراء.
الكاتب: جيمس كوزس: خبير ومدرب القيادة العالمي