أقلام عالميةإدارة التغيير

هل تدرّب نفسك على الفشل؟

مقال في الإنتاجية

هل أنجزت ما كنت تريد إنجازه هذا اليوم؟ سألتني زوجتي. وعندما قلت لا خجولة مواربة ضحكت وقالت لي مازحة: وكيف هذا؟ ألست أنت نفسك من ألف كتاباً للناس تنصحهم فيه وتعلمهم كيف ينجزون ما ينبغي إنجازه!

بعض الناس مهيؤون تهيئة فطرية ليكونوا ذوي إنتاجية رفيعة. يبدؤون يومهم بتوجه واضح ومعقول لما يخططون للقيام به، ثم يعملون مثابرين خلال النهار ملتصقين بخططهم ومركزين على إنهاء أكبر أولوياتهم، إلى أن ينتهي اليوم وقد أنجزوا تماماً ما كانوا يتوقعونه. مع نهاية كل يوم يصبحون أقرب بيوم إلى ما هم عازمون على إنجازه خلال السنة. لسوء الحظ أنا لست من هؤلاء. لو تركت متكلاً على نفسي كما هي فنادراً ما أنهي يومي وأنا راض عن حسن تنفيذ المخطط.

نزعتي الطبيعية هي افتتاح النهار بقائمة طويلة ومفرطة الطموح بما آمل إنجازه ثم أدفع نفسي دفعاً متكلاً على قوة الإرادة وحدها لإنجاز اللائحة. إنني معرض للغرق في المشاغل والملهيات – الرد على رسائل البريد الإلكتروني، تعدد المهمات، استقبال مكالمات الهاتف، الاهتمام ببعض المشاغل، وهكذا من دون تدخل خارجي فإنني لا أنجز من الأمور المهمة إلا قليلاً. وبعدئذ، منهكاً بمشغوليتي، لكن غير راض عن القدر الضئيل من إنجاز الأمور المهمة، تراني أمضي في تشتيت نفسي أكثر عن طريق القيام بأشياء تريحني من جزعي وتنسيني همومي في اللحظة الحاضرة: مثل تصفح الإنترنت أو القيام لتناول الحلوى والمكسرات.

لا تحارب بمزيد من الجهد فأنت خاسر لا محالة!

إليكم المسألة: في إنجاز أهم أولوياتنا تقف الاحتمالات الواقعية ضدنا، ميولنا الفطرية غالباً ما تقودنا نحو الرضا والتطمين الفوري في اللحظة الحاضرة. والعالم من حولنا يتآمر لإغوائنا وصرفنا عن مهماتنا. لو منحت لنا الحرية الكاملة فإن معظمنا سينفق كثيراً جداً من الوقت على تصفح الإنترنت وتناول الحلوى والمكسرات المسلية. وكوننا مستجيبين منفعلين كلياً لبيئاتنا لن يجعل منا سوى راكضين لاهثين في خدمة أجندات أناس آخرين.

في حالتي شخصياً، إغراء إنجاز الكثير من الجزئيات الصغيرة كثيراً ما يهيمن على تركيزي على الأمور الكبيرة التي أقدرها. كل صباح تجدني أحاول تغيير نزعتي الطبيعية من خلال ممارسة ضبط النفس. أتحدث إلى نفسي حول كيف أنني بدءاً من هذا اليوم سأكون أكثر تركيزاً، وأحضر نفسي برسائل سيكولوجية لأمضي نهاراً منتجاً، وأعاهد نفسي على أنني لن أقوم بأي عمل جانبي صغير إلى أي ينتهي العمل المهم. وتقريبا،ً لم ينجح هذا الأسلوب ولا مرة، وبالتأكيد فإنه لم ينجح نجاحاً باهراً يعتمد عليه. وهكذا، من دون أن أكون واعياً متفهماً لحقيقة الأمر آنذاك، كنت أعلّم نفسي على الفشل.

يكثر الناس من الحديث عن الإخفاقات – وأنا أتحدث عن الإخفاقات – كعنصر جوهري في التعلم. لكن ماذا لو لم نتعلم؟ ماذا لو كنا نقوم بالأمر ذاته مرة بعد مرة آملين في نتائج مختلفة لكن من دون أن نغير سلوكنا؟

عندئذ نكون متورطين في تدريب أنفسنا على الفشل مراراً وتكراراً.

لأنه بمقدار استمرارنا في اقتراف الأخطاء نفسها؛ ندمج السلوكيات غير الفعالة في حياتنا. إخفاقاتنا تصبح طقوسنا، وطقوسنا تصبح عاداتنا، وعاداتنا تصبح هوياتنا. بعدئذ فإن مشكلتنا لن تكون انقضاء يوم غير منتج، بل نصبح نحن أناساً غير منتجين.

حارب بتغيير طقوسك.. دوماً

لا يمكنك الخروج من هذا النمط المتكرر بأن تقول لنفسك أنا شخص منتج.. أنا شخص منتج..

أنت أذكى من ذلك، لن تصدق هذا، والمعطيات الماثلة بين يديك لا تدعم هذا الوهم. ينبغي عليك أن تتسلق خارجاً من هذا الوضع كما زحفت داخلاً إليه: أي، باستخدام طقوس جديدة. بالنسبة لي، الطريقة الفضلى لاكتشاف الطقوس الأكثر فاعلية في مساعدتي على إنجاز أولوياتي الأكثر أهمية كانت من خلال التجريب وتلمس الصواب والخطأ. كل صباح، أنظر في الأساليب والخطوات التي لمست نجاعتها وأكررها. وأنظر إلى الأمور غير المجدية وأقلع عنها. ما توصلت إليه هو:

بدلاً من محاولتي أن أطور في نفسي انضباطاً وتركيزاً استثنائياً خارقاً، كنت بحاجة للاعتماد على عملية مرتبة Process لأكبّر فرص أن أكون مركزاً ومنتجاً وأقلص فرص أن أكون مشتتاً ضعيف الفاعلية.

طقوس مثل هذه:

  • قضاء خمس دقائق في الصباح لتدوين الواجب الأكثر أهمية على أجندتي.
  • والتوقف لحظة كل ساعة لأسأل نفسي عن التزامي بالخطة.
  • وقضاء خمس دقائق في المساء للتعلم من نجاحاتي وإخفاقاتي.
  • الرد على الإيميلات في دفعات كبيرة وفي أوقات معينة خلال النهار بدلاً من الالتفات إلى صندوق البريد كلما وصلت رسالة.
  • وعدم ترك أي شيء باقياً على لائحة مهماتي أكثر من ثلاثة أيام، وبعد هذه الأيام الثلاثة إما أن أقوم به فوراً، أو أعيد جدولته في موعد آخر أو أشطبه.

لا يحتاج وقتاً طويلاً تحول هذه الطقوس إلى عادات وتحول العادات لتصبح هويتك. ولتصبح بالتالي شخصاً منتجاً.

الحيلة إذا أن يبقى المرء منتجاً. بعد أن تتغير هويتك، فأنت عرضة للتخلي عن طقوسك. لم تعد بحاجة لها بعد الآن، تقول لنفسك، لأنك الآن شخص منتج، لا تعاني الآن من المشكلة التي كانت الطقوس تساعدك في الخروج منها. لكن هذا غلط. الطقوس لا تغيرنا. ببساطة هي تعدل سلوكنا طالما كنا نمارسها. حالما نتوقف عنها فإننا نبدأ بفقد فائدتها. بكلمات أخرى كونك منتجاً على الدوام يتطلب منك المحافظة على الطقوس التي تبقيك منتجاً على الدوام.

كم أود القول إنني الآن واحد من أولئك الذين تراهم ذوي إنتاجية عالية بطبيعتهم الأصلية. لكنني لست كذلك، لا شيء طبيعياً في الإنتاجية لدي. لكن عندما مزحت معي زوجتي عن تأليفي كتاباً عن إنجاز أهم الأولويات فإنها ذكرتني بأنه رغم كون الأمر ليس طبيعة أصلية لدي فإنه ما يزال باستطاعتي أن أكون شخصاً عالي الإنتاجية. وفي اليوم التالي، باتباع طقوس بسيطة، كنت كذلك.

الكاتب: بيتر بيرغمان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى