في التخطيط الاستراتيجي … عجلة أكثر سرعة أقل
متى يزدهر؟ من يخبز عجيناً لم يختمر؟
يمتلئ عالم البزنس بحالات تكشف استراتيجيات وتكتيكات تنفيذ فاشلة، وتقدم كل عينة من الفشل دروساً لا تحصى ينبغي وعيها واجتناب تكرارها. يبدو هذا سهلاً جداً عندما تلفظه لفظاً سريعاً: “فليكن لديك استراتيجية صحيحة وخطة مُحكمة لتطبيقها”. لكن رغم السهولة التي تبدو عليها المبادئ فإن عثرات الاستراتيجية ذاتها تستمر في الظهور مرةً بعد مرة.
في الصراع مع الزمن.. طلب الثمرة هل يبرر إهمال الشجرة؟
في فشل صناعة الاستراتيجيات وتطبيقها ضغط الوقت هو العامل الرئيس المتهم. ففي هذه الأيام يأتي الرؤساء التنفيذيون ويرحلون بسرعة أكبر، وليس لديهم غير قليل من الصبر كي يمضوا مزيداً من الوقت في تحليل خلفيات صياغة الاستراتيجية، أو تفاصيل كيفية تنفيذها.
مع متوسط فترة على الكرسي تقارب السنتين فإن من السهل التعاطف مع رغبة هؤلاء الرؤساء في مشاهدة التغيير يحدث بسرعة. لكن بغض النظر عن الحاجة للسير بسرعة، إن القيام بالتصرفات الصحيحة في مثل هذه الظروف يبقى مفتاحاً لبقاء الرئيس التنفيذي. حتى تحت النار، ينبغي على قائد المؤسسة رسم مسار حريص متقن وفعال كذلك لتحسين الأداء وتلبية المطالب المتوقعة. إن هذا يتطلب مقاربة منطقية حكيمة وسلوكاً مترفقاً رزيناً.
لدى قائد تحت الضغط، قد يُظن أن التخطيط الاستراتيجي عملية طويلة يستغرق إنجازها وقتاً أكثر مما يطيقون. ولسوء الحظ فإن هذه العملية هي سبيل العمل اللازم لتطوير أداء المنظمة. النقطة المهمة التي ينبغي تذكرها هي أن أي تغيير في السياسة أو العملية أو التكتيكات يحتاج وقتاً حتى يصبح فعالاً. بعد أخذ هذا الواقع في الحسبان، لم لا تأخذ عزيزي القائد وقتك كي تتأكد من أن خطواتك ستكون هي الخطوات الصحيحة؟
إن كان أحدنا يعرف أن هناك حافلةً تتجه لتصدمه ويحتاج إلى الابتعاد عن طريقها بسرعة فإن امتلاك المعلومات عن مسار هذه الحافلة أمر جوهري للنجاة. القفز أو الركض في اتجاه خاطئ تشكل فعلاً لكنه فعل غير مفيد طالما أن الحافلة تستمر في التقدم نحو المرء والمرور فوقه. هكذا هي الحال مع التخطيط الاستراتيجي: مهما كان القائد يشعر بإلحاح ضاغط للقيام بفعل فوري فإن معرفة الاتجاه الصحيح تبقى مطلباً حيوياً لا بد منه. لدى القيام بالتخطيط كما ينبغي فإن قادة الأعمال يستطيعون تعزية أنفسهم وتطمينها بأنهم يقومون بالأمور الصحيحة بطرق صحيحة، حتى لو استغرق التوصل إلى هذا بعض الوقت الإضافي في البداية.
يكفي! متى نصبح جاهزين للانطلاق؟
باعتبار أن الوقت سيبقى في كل الأحوال عنصراً جوهرياً لا بد منه، فما نوع التخطيط الاستراتيجي الذي نحتاج، وكم يبلغ الحد الكافي منه؟
- في الحد الأدنى، ينبغي أن تتضمن عملية التخطيط تقييماً لآثار الاستراتيجية على الشركة لتقرير إن كانت تسير بالفعل نحو تحقيق النتائج المنشودة. كذلك ينبغي أن توجد خطة فعلية للتنفيذ مترابطة مع الاستراتيجية. إن الخطة الشمولية المكتملة تحدد أهدافا تدعم الاستراتيجية وتتناول التكتيكات التشغيلية التي ستنجز الأهداف.
- استراتيجية المنظمة يجب أن تتوازى مع ثقافة المنظمة وقيمها الجوهرية حتى تكون متقبلة ومعمولاً بها بنجاح. وبالمثل، فإن إيجاد خطة استراتيجية شغالة يتطلب تفهما جاداً للمقدرات الجوهرية core competencies لدى المنظمة. يضمن التخطيط أن المعرفة الأساسية والقدرات والخيرات التي تحتاجها المنظمة لتحقيق أهدافها المنشودة قد تم تحديدها وإدماجها في تكتيكات التنفيذ.
- يجب أن يتناول التخطيط الاستراتيجي التواصل وإدارة التغيير. وإلا فإن مستويات وعناصر المنظمة لا يتوقع منها الانتظام في صف استراتيجية عامة لا يعرفونها أو لا يتفهمونها.
الحصيلة:
- أخذ الوقت من أجل تخطيط الاستراتيجية وتخطيط تنفيذها تبدو ثماره في النتائج. يحدد التخطيط الاستراتيجي التصرفات التي تدعم وتزود رسالة المنظمة بمقدرة النمو بنجاح. عملية التخطيط الاستراتيجي المكتملة تحدد أسواق النمو المحتملة التي يمكن أن تصبح فرصاً لاستثمار موارد المنظمة. هذه الأسواق التي يمكن أن تصبح الجيل التالي من موارد العوائد وتحل محل تلك الأسواق التي تقترب من الإشباع وتدخل في تغييرات أساسية إما تشكل أخطاراً على العمل أو تعاني من الركود والانحدار.
- كذلك يحدد التخطيط الاستراتيجي الأولويات التنظيمية الصحيحة من خلال تحليل منهجي مفصل للمبادرات ويفرض موازاة الإنفاق مع تلك الأولويات المرتبة. إنه يوجه الإنفاق توجيهاً مسايراً للبرامج الأكثر دعماً لاستراتيجية المنظمة. وبصورة أقل ظهوراً للأعين ربما، فإن التخطيط الاستراتيجي يطال قرارات التوظيف. إن ممارسات التوظيف يجب أن تعمل لتلبية الاستطاعة اللازمة لدعم البرامج الاستراتيجية من خلال تزويد الشركة بمواهب ترد في التوقيتات الصحيحة وتمتلك المهارات الصحيحة.
- إضافة إلى هذا، يقدم التخطيط الاستراتيجي فائدة إضافة المساءلة Accountability ضمن أداء الوظيفة وربط الحوافز إلى إكمال مبادرات وثيقة الصلة بأهداف المنظمة. في النهاية، الخطط المحكمة تُعين في تقوية ثقافة المنظمة بطاقة مطوّرة وموصّلة معمّمة. ومؤشرات أداء المنظمة ومقاييسه Organizational performance indicators and metrics تساهم في توفر المقدرة على الرقابة والضبط والإدارة، إذ تبيّن الحاجة إلى التقييم والتحليل باكراً حيث يمكن إدخال التصحيحات على تكتيكات التنفيذ بسهولة أكثر وبزيادات أو اضطرابات في التكاليف أقل.
ختاماً
الطريقة الصحيحة لتسريع عملية التخطيط الاستراتيجي هي امتلاك قاعدة صلبة مكتملة الإعداد حتى تبنى عليها الخطة. والطريقة الخاطئة لإدخال السرعة في التخطيط الاستراتيجي هي القفز عنه كله أو الاندفاع اندفاعاً متعجلاً في الخطوات الضرورية ورسم خطة تفشل في تحقيق النتائج المنشودة كما هي الحال في تسعين بالمئة من كل خطط الشركات الاستراتيجية. إنها فعلاً حالة من إنجاز البداية الصحيحة نصف إنجاز.
الكاتب: جو إيفانز.. خبير استشاري ومدرب في تخطيط استراتيجيات الشركات.
مقال متميز .. بالتوفيق
مقال ممتاز جدا ومفيد للغاية
أرغب في المزيد
شكرا