إدارة الوقت وتنظيمه

متى ستكفّ عن التسويف؟

تفهّم الحقيقة وابدأ بالتحرّر من سجن المماطلة الآن!

غداً: هو الوقت الأفضل للقيام بما خططت لإنجازه اليوم.

لا تؤجّل إلى الغد ما يمكنك تأجيله إلى بعد غد!

أجّل إلى الغد ما لا تريد القيام به أبداً.

صديقي القارئ: ما رأيك في هذه الأقوال؟

أجل، إنّ هذا العرض الساخر لمشكلة التسويف يخفي وراءه دموعاً حارّة. ولولا أنّ معظم البشر يكتوون بآلام التسويف ويتكبّدون تكاليفه الفادحة لما عبّروا عن المشكلة بهذه البلاغة الكوميدية ولما تأثّروا بها.

إنّ التعبير عن المشكلات باستخدام النكتة يتيح للبشر مواجهة مشكلاتهم بشجاعة ووضوح، ويتيح لهم الضحك على أخطاء أنفسهم دون شعورٍ بالخزي أو بالسخط لأنّ أحداً آخر يهاجمهم.

وبعد اجتياز الإنسان المفكّر امتحان الضحك على أخطاء نفسه والاعتراف الصادق بوجود المشكلة ماذا يبقى؟
يبقى الانطلاق بحريّة وفاعليّة في استكشاف جذور المشكلة والتعرّف على وسائل معالجتها والوقاية منها.

هل أنت مماطل؟ وما تعريف المماطلة؟

صديقي القارئ: إذا كنت تعرف وتتفهّم كثيراً من مبادئ إدارة الوقت ولكنّك بالرغم من ذلك تجد نفسك في معظم الأوقات مستنفد الطاقة وغارقاً بالواجبات المتزاحمة ومصاباً بالإرهاق الذهني والجسميّ والعاطفيّ، وتجد نفسك متأخراً في إنجاز معظم أعمالك فالراجح هو أنّك تعاني من المماطلة (التسويف) Procrastination.

إنّ ظاهرة المماطلة الخطيرة لا تعني فقط تأخر الإنجاز وما يحمله من تبعات على صعيد الكسب المالي والتقدّم الوظيفي أو الدراسيّ، بل يرافقها أيضاً الشعور الدائم بالإثم والعار ونقص الكفاءة والقلق.

يعرّف المختصّون النفسيون المماطلة بأنّها:
تملّص الإنسان من الشروع في عمل أو تثاقله في أدائه رغم إدراكه حاجته أو اضطراره إلى القيام بهذا العمل.

وفق هذا التعريف فإنه لا يدخل في المماطلة المعنيّة هنا حالات تمنّع الإنسان ضدّ الإكراه على عملٍ يرفضه، أو مقاومته للتحكّم به تحكّماً مفرطاً، ولا إحجام الإنسان عن أشياء لا يرى داعياً للقيام بها.

المماطلة مظهر للمشكلة، فلنوجّه المعالجة إلى جذر المشكلة:

عندما سألت الجهات المختصة بتطوير المسار الدراسي والمهني في جامعة كوانتلين الكنديّة Kwantlen Counselling Services الطلاب عن الأسباب التي يرونها وراء المماطلة كانت الإجابة الأكثر شيوعاً هي “الكسل”. تشير هذه الإجابة إلى الموقف الاجتماعي الانتقاديّ والانتقاصيّ تجاه هذه المشكلة. ولكن الحقيقة هي أنّ الإنسان يجب ألاّ يبالغ في اتهام نفسه إذا كان مماطلاً، ويجب عليه تفهّم أن أسباب المماطلة أكثر وأعقد من مجرد الكسل. وما لم تعالج هذه الأسباب فإنّ أيّ إنسانٍ تقريباً سيكون مماطلاً بدرجةٍ أو أخرى.

أهم أسباب المماطلة:

◄ المهمّة هزيلة القيمة والمعنى لدى المكلّف بها فلا يكادُ يجدُ دافعاً إلى القيام بها.

◄ الأهداف المطلوبة هي أهدافَ أناسٍ آخرين لا يشارك الإنسان في اختيارها، وهكذا تتحطّم الدافعيّة motivation أيضاً.

◄ المهمّة غامضة الطريق والإجراءات، أو أن يكون المطلب النهائي غائماً أمام الإنسان.

◄ القلق الشديد أو الخوف من عملية التقويم النهائية

◄ افتقار المرء إلى التحضير أو المهارات أو المعرفة اللازمة للقيام بالمهمّة

هل تنجم المماطلة حقاً عن توخّي الكمال؟

إذا كان الإنسان لا يكادُ يرى في أيٍّ من منجزاته جودةً كافية، أو يؤخّر إنجاز وظائفه وأعماله الورقية مثل التأليف أو إعداد التقارير أو الأبحاث حتّى تسحب من بين يديه سحباً لأنه منهمكٌ في تحسين كل تفاصيلها إلى أقصى درجة، وإذا كان يرى وجوب بذل طاقته القصوى في أيّ عملٍ يقوم به فإنّ هذا الإنسان غالباً ما يصف نفسه ويصفه الآخرون بأنّه عالقٌ في “توخّي الكمال” المفرط perfectionism (أو الكماليّة).

خلافاً للتصوّر الشائع الذي يعتبر “توخّي الكمال” خصلةً حسنةً فإنّ الأبحاث تبيّن أن لهذه الخصلة تأثيراً سلبيّاً على نجاح الإنسان في كلّ جوانب حياته، ومن ضمن ذلك النجاح الأكاديميّ.  إذ بالإضافة إلى تأخير وعرقلة الإنجاز الفعلّي فإنّ هذه الخصلة كثيراً ما تبثّ في الناس مشاعر الاستياء والسخط، وتوصلهم إلى الاحتراق النفسيّ Burnout في سعيهم اللاهث لتحقيق ما لا يمكنهم تحقيقه.

ويجدر الانتباه هنا إلى أنّ هذا العذر ” أي توخّي الكمال” غالباً ما يكون عذراً وهميّاً يقع فيه البعض عمداً أو عن غير عمد، وأمّا الحقيقة التي أثبتتها الدراسات فهي:
من يبحثون عن الكمال بحثاً حقيقيّاً لا يستغرقون وقتاً أطول في أعمالهم وإنّما يبذلون جهداً أعظم ويتحمّلون عبئاً أكبر لا يقبل كلُ الناس على تحمّله.

خطوات مجربة للتحرّر من سجن المماطلة

إن اختيار طريقتك في التحرّر من المماطلة يعتمد على أسبابها الخاصّة بك. وإن لم توجّه جهودك النوعية نحو الأسباب الحقيقية للمشكلة فإنما أنت تستمرّ في درجةٍ جديدة من أشدّ درجات المماطلة خطورة!

أجل إنّك تبذل جهداً في غير محلّه والإخفاق الذي يعود به هذا الجهد لا يزيدك إلاّ إرهاقاً ويأساً ولا يزيدك إلاّ ابتعاداً عن الحقيقة.

فيما يلي خطواتٌ مهمّة في التحرر من المماطلة نرجو أن تستفيد منها عزيزي القارئ بعد أن تضع في اعتبارك أن التشخيص الصحيح هو نصف المعالجة، وأنّ ترتيب وأهمية وجدوى هذه الخطوات ليست واحدة لكل الناس.

 لا تغمض وعيك عن الحقيقة أبداً

– إذا شعرت بأنّك مماطل فإياك وزيادة الطين بللاً بالتهرّب والتجاهل. افحص الأمر بعمق واتساع!
– افشِ السر! أجل أخبر صديقاً تثق به، اطلب المساعدة فوراً وامنع مصيبة المماطلة من التضخّم والتجذّر.

 لا تتردّد في طلب التوضيحات والمعونة

إذا كنت طالباً فلا تتردّد في سؤال مشرفك مرةً بعد مرة عن كلّ ما تراه غامضاً في الوظائف المطلوبة، وإذا كنت موظّفاً فلا تتردّد في مراجعة رئيسك. إذا كنت تفتقر إلى بعض المهارات أو المعلومات للقيام بمهمة معيّنة فلا تخجل من إعلان ذلك ولا من البحث عمّن يعلّمك. وتذكّر أنّك إن لم تفعل ذلك فسيجتمع عليك الشعور بعار المماطلة، وعار الإخفاق بالمهمة، وعار الاعتراف متأخراً بالعجز أو القصور عن أداء العمل.

 اتخذ قراراتٍ جريئة واضحة وأمينة

إذا لم تكن تريد بذل كثيرٍ من الوقت على مهمّة أكاديمية أو مهنية فعليك الإقرار لنفسك منذ البداية ولا تدع شعور الذنب أو ضغوط الإلزام الخارجية أو الداخلية تصنع قراراتك.
قارن تكاليف وعوائد استثمار الفترات الزمنية المختلفة في المشروع أو المهمّة ثمّ اتخذ قرارك الواعي بتخصيص المدّة المناسبة.

 قاوم الغرق في وهم “توخّي الكمال Perfectionism

إنّ الانهماك المفرط في تحقيق أقصى درجات الكمال لا يمكن أن يعوّض عن أضرار المماطلة مهما كان هذا السعي حقيقياً وجاداً.
فماذا ستكون الحال إذا علمنا أن “توخّي الكمال” كثيراً ما يكون وهماً يخدع به البشر أنفسهم؟

 ارسم لنفسك أهدافاً محدّدة ومواعيد نهائيةً واقعيةً

إنّ الواقعية هي المطلب الأساسي هنا. اختر هدفك ودونه كتابةً ثم اجعل خطواتك كلها متفقةً مع ذلك الهدف الممكن، ولا تنسَ تخصيص أوقاتٍ للراحة والمرح ومكافأة نفسك.
وتذكر: إذا وضعت لنفسك أهدافاً مفرطة الارتفاع فإنّما تحكم على نفسك بالفشل سلفاً.

 قسّم المهمات الكبيرة إلى أجزاء أصغر

كيف يمكنك التهام حوتٍ مشوي؟ أجل! لقمةً بعد لقمة. إنّ أيّ مهمة مهما بدت ضخمةً وعسيرة ستصير قابلة للإنجاز بعد تفكيكها إلى قطع وتعيين جدول زمني لإنجاز كل قطعة.

 تقبّل بشاعة بعض المهمّات، وإذا كرهت شيئاً فأقبل عليه!

افحص فحصاً واقعياً كم هي هذه المهمّة ثقيلة الوطأة على نفسك ثم قارن مرارة المهمة مع المرارة الناجمة عن تأجيلها. كن أميناً في المقارنة بين عوائد المماطلة وتكاليفها، وستجد أن هذه المقارنة تمدّك بالمزيد من الاندفاع لإنهاء المهمّة وستريك أنّ ابتلاع الدواء المرّ دفعةً واحدةً هو أقلّ إزعاجاً من رشفه ببطْءٍ وتردّد.

 إن كان لا بدّ من أحلام اليقظة فليكن ذلك حيث تختار أنت

إن كانت أحلام اليقظة، أو الغرق في مشاعر القلق تضيّع وقتك فإليك هذه الحيلة: خصّص لها وقتاً محدّداً وعندما تقبض على نفسك على حافة الحلم ذكّرها بأنها يمكن أن تقلق أو تحلم على راحتها في وقتٍ آخر.

 تحمّل مسؤولية كلّ تأخير تقومُ به

لا تلقِ اللوم على أحد أو على شيء. ضع لائحةً بأساليب المماطلة التي تقع فيها – عامداً أو غير عامد- ثمّ انظر في الأوقات التي تضيّعها كلّ منها.

 افتتح مهمّاتك بخطواتٍ عمليّة ملموسة

ابدأ مهمّتك بفعل أيّ شيء. وإياك والجمود. مثلاً: عندما يطلب منك إنجاز بحثٍ للجامعة أو تقريرٍ مهنيّ فإياك والانتظار حتّى تأتيك الخاطرة العبقرية. لا! بل ابدأ بالكتابة والإنجاز فوراً مهما كانت خطواتك صغيرة.  افعل هذا وستجدُ أنّ كثيراً من المهمات التي كنت تخشاها ستبدو بعد الشروع فيها مختلفةً تماماً بل ربما لذيذةً سهلة.

 التزم بحصص وقتٍ إجبارية صغيرة ثمّ وسّعها بالتدريج

قل لنفسك سوف أعمل على هذه المهمّة الكريهة أو الصعبة خمس دقائق أو عشراً وحسب، ومع نهاية المدة قرّر المضيّ في خمس دقائق أخرى. ومثلما يحصل معك بعد الابتداء بخطوة عملية فإنّ التزامك بفترة زمنية محددة سوف يظهر لك أن المهمة ليست بالصعوبة أو البشاعة التي كنت تتصوّرها.   

 تابع كلّ مبارياتك إلى النهاية

ضع لنفسك هذا الخط الأحمر: يمنع الانتقالَ إلى مهمّة جديدة هرباً من المهمّة السابقة.
لا تنتقل إلى المهمة الثانية حتّى تنهي الأولى أو تنهى جزءاً منها حدّدته بنفسك من قبل تحديداً هادفاً.

 ابدأ بالأكثر مشقةً على نفسك

أقدم على المهمّات الكريهة أولاً وستجدُ ما بعدها يزدادُ سهولة. بالإضافة إلى هذا فإنّ البداية بالأسوأ والأشد قد تساعدك في القضاء على القلق والظنون والتحقّق من إمكانية التنفيذ في أبكر وقتٍ ممكن.

 جرّب أسلوب الشطيرة

هذه الطريقة معاكسة للسابقة. إنها تقوم على وضع المهمّة المرّة بين مهمّتين مرغوبتين أو سهلتين.

 ابدأ على الفور

راقب نفسك والتزم ببدء العمل على المهمات فوراً بعد تسليمها لك أو بعد أن تقرّر أنت وجوب العمل عليها. وتذكّر: المهمّات الكريهة الثقيلة لن تصير مع مرور الوقت إلاّ أشدّ كراهةً وثقلاً.

 ذكّر نفسك

استخدم ملاحظات التذكير الورقية، مثلاً: “موعد الاجتماع: في 10 فبراير، ويجب إنهاء التقرير قبل 8 فبراير”. وضع أمامك أيضاً عبارات تحفيزية تعزّز من رؤيتك الإيجابية وثقتك بنفسك.

 كافئ نفسك

ارسم لنفسك نظام مكافأة على الإنجاز. قد تكون هذه المكافأة فترة راحة أو ترفيه أو حريّة البدء بمهمة يحلو لك العمل بها.

 انظر إلى النهاية، فكّر بالعواقب دائماً

ضع نصب عينيك دائماً أسوأ ما يمكن أن يحدث إذا لم تنهِ المهمّات الثقيلة على نفسك، وستجدُ عندئذٍ أن وقت المماطلة وتخدير النفس قد أصبح أصعب على نفسك من المهمّة التي تتهرّب منها. وسيكونُ اندفاعك إلى إنجاز المهمّة الكريهة أسرع وأسهل.

تذكّر وتفكّر:

عندما يجب عليك تسلّق جبل فلا تظنّ أنّ الانتظار سيجعل الجبل أقصر أو صعوده أيسر.

الحياة بالتسويف تشبه العيش على بطاقات الإقراض، إنّها سهلة ممتعة إلى أن تأتيك الفاتورة الفادحة.

ابدأ اليوم لأنّ ندامتك غداً ستكون أعظم من ندامتك اليوم على عدم البدء البارحة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى