أنت قائد؟ لماذا نحبّ أن نتبعك؟
هل يعتقد أحد بأن كابتن فريق كرة القدم أو مدرب الفريق يوضعان ويستمرّان في منصبيهما بالتعيين؟
لا داعي للنقاش هنا إذ ستبدأ الحقائق بالظهور بعد أوّل مباراة!
وأنت عزيزي القارئ: هل أنت قائد بالتعيين في منصبك أم أنت قائد بحكم امتلاكك خصال القيادة ومهاراتها؟
هل يصنع المنصب قيادتك أم إنّ مهاراتك القيادية هي التي تصنع منصبك؟
يقول المثل يمكنك أن تحضر جواداً إلى النهر لكن لا يمكنك إجباره على أن يشرب. ونتابع نحن فنقول: يمكن لأي إدارة عليا إصدار قرار بتسمية إنسان معيّن قائداً (قائد فريق صغير أو قائد مؤسسة ضخمة) ولكنها لن تستطيع جعله يقود، والأهم من ذلك أنّها لن تستطيع جعل المحيطين به يرونه قائداً ينبغي أن يتبعوه ويحبّون أن يتبعوه.
حتّى تتمكّن من تطبيقِ تأثيرٍ فعال على الآخرين عليك تلبية عدة معايير صارمة تخوِّلكَ الإجابةَ على هذا السؤال الذي لا بدَّ من أن يطرحه تابعوك: لماذا ينبغي علينا أن نتبعك؟ ولماذا نحب أن نتبعك؟
لا تسرع في الإجابة وتذكّر بأنّ القائد ليس كابتن فريق على أرض الميدان، وليس مدرباً على مقعد التوجيه والتخطيط بل هو يقوم بأدوار الكابتن والمدرّب والمشجّع معاً.
يقدّم خبراء القيادة معايير معينة تقوم عليها إجابة السؤال (لماذا نتبعك؟) ومن أهمّ هذه المعايير الأربعة التالية.
ينبغي على القائد النجاح في هذه المعايير أو الاختبارات الأربعة حتى يستطيع الإجابة على سؤال: لماذا يجب علينا، ولماذا نحب أن نتبعك؟
1- اختبار الدوافع Motives:
قيادتك من أجل من؟ هي لك أم لنا؟
إن أياً من تابعيك لا يمكن أن يتقبلَ تأثيرك وتوجيهاتك ما لم تقدم له البرهان على التزامك بنجاح المجموعة كلها وليس نجاحك الشخصي وحسب. إن مهمة القائد الأساسية هي مساعدة الآخرين على النجاح، وإذا لم يثق التابع بدوافعك فإنَّ أيَّ أمرٍ آخر لا يمكن أن يجدي في سدِّ هذه الثغرة، وإذا كانَ الشكُّ في المصداقية موجوداً فإنَّ كلَّ المقومات الأخرى ستصبح هباءً منثوراً.
وكيف تقنع تابعيك بسلامة دوافعك وغاياتك؟ لا يمكنك أن تقوم بذلك أبداً مهما تحدَّثت! بل أفعالك هي التي تقنع!
سل نفسك: هل أنتَ معتادٌ على مساعدة أعضاء الفريق الآخرين بوقتك وأفكارك ودعمك وإن لم يكن من وراء تلك المساعدة حصيلةٌ مباشرةٌ تعود عليك؟ هل تذكرُ أمثلةً فعليةً وضعتَ فيها مصالح الغير قبل مصالحك؟
كيف يبدو سجلك كعضوٍ في الفريق؟ هل تنوِّر الأعضاء بالمعلومات اللازمة؟ هل تعلِّم وترشِد؟
2- اختبار القيم Values:
هل لديك بوصلة؟ وهل بوصلتك صحيحة؟ وثابتة؟
بعدَ أن يطمئنَّ التابعون إلى دوافعك فإنَّ السؤال التالي الذي يريدون الإجابة عليه هو “ما هيَ قيمك الأساسية؟ ”
عندما يعتقد التابعون بوجودِ أهدافٍ مشتركةٍ بينهم وبين قائدهم فإنَّ أثرَ هذا الاعتقاد لا يتوقفُ عندَ تمهيد الطريق لاستجابتهم لتأثيره وتقبلهم لتوجيهاته وحسب، بل إنه يلهمهم ويحفِّزهم نحو المزيد من الحركة والانطلاق.
يريدُ الناس اتّباع قائدٍ لديه قيمٌ متبلورةٌ واضحةٌ ومستقرة حتى يمكنهم هم أيضاً الارتكازُ عليها والتعلُّمُ منها. ولا يمكنُ لأي إنسانٍ القبولُ باتّباع قائدٍ لا تحركه المبادئ وإنما يسير كيفما شاء له الهوى وكيفما تدفعه الظروف.
وفي هذا الاختبار أيضاً لا يمكنك تحقيقُ أيِّ شيءٍ بمهارة اللسان ومناورات الإقناع وإنما عليك ترك الحديث كلَّه لأفعالك.
هل يراك أعضاء الفريق وأنت تتقبلُ الخسائر الشخصية في سبيل الالتزام بالمبادئ؟ هل يراك الموظفون وأنت ترفض البحث والمناقشة لترقيةٍ أو صفقةٍ محتملة فقط لأنَّ متابعة ذلك تعني الإخلال بقيمك؟
عندما تُعرضُ عليك مهمةٌ جديدة لا ينبغي قبولها فماذا تصنع؟ هل ترفضها بصراحة وتبينُ أنها تتجاوز طاقة الفريق وستضر بجودة العمل، أم تتبع ما يقوم به الكثيرون من قبول أيِّ ربحٍ إضافي طالما أنه لا يضرُّ بالجودة ضرراً يمكن اكتشافه و لا يعرِّضهم للمحاسبة شخصياً؟
3- اختبار المقدرة Competence:
كم أنت قوي وأمين؟
بعدَ أن يطمئن التابعون إلى دوافعك وقيمك ورؤيتك للطريق الصحيح فإنهم يحتاجون أيضاً إلى الاطمئنان إلى مقدرتك على سلوك ذلك الطريق فعلاً. إنهم يحتاجون إلى أفكارك الجديدة البناءة لتحسين الأمور.
إننا نسمع دائماً أن القائد لا بدَّ من أن يكون لديه رؤية، ولكن مهلاً! أليست الرؤية هيَ المطلبَ الأيسرَ منالاً؟
أليسَ سهلاً أن نقول هيا يا شباب نحو القمة! فلنكن في الطليعة.. فلنعمل عملَ فريق متضامن!
أجل الكلمات سهلة! ومعظم القادة يجيدونَ صياغة العبارات الكبيرة ذاتها. والفرق الحقيقي والصعوبة الحقيقية إنما تبدو عندَ الحاجة إلى ابتكار الطرق الفعلية لتحقيق تلك الأهداف وتحويل الكلمات إلى واقعٍ ملموس!
أين هيَ منجزاتك الفعلية؟ ما هي التغييرات والأدوات التي أدخلتها على طرق العمل القديمة؟ ما هو سجلُّك الإبداعي في تسيير أيِّ قطاعٍ من قطاعات العمل؟
4- اختبار الأسلوب Style:
هل تعرف كيف تدخل العقول والقلوب؟ وكيف تحرك الناس من الداخل؟
بعدَ نجاحك في كلِّ الاختبارات السابقة فإنَّ التابعين ما يزالون بحاجةٍ إلى الاطمئنان إلى أسلوبك في تحقيق أفكارك وتطبيق خططك وأدواتك. إنَّ القائد المتميز هو المدرب المرشد coach المتميّز! إنَّه الذي يساعد كلِّ أعضاء الفريق على استكشاف وتفعيل طاقاتهم إلى أقصى الحدود، ويساعدهم على تحقيق أهدافهم.
إنَّ المرشد الناجح المتميِّز ينبغي أن يتمتع بصفتين اثنتين تبدوان وكأنهما متناقضتان! إذ يجبُ عليه أن يكونَ مؤازِراً متفهِّماً ومقدماً للاحتياجات، ويجبُ عليه في الوقت ذاته أن يكونَ متطلِّباً دونَ توقُّف وغيرَ قانعٍ بالهدف والأداء الحاليين و إنما يحثُّ الأنظار والعزائم على التوجه نحو الهدف التالي الأصعب والأبعد والأرقى!
يجبُ عليك أن تتقن المهارتين السابقتين مجتمعتين! لأنك إذا كنتَ شديد التطلب دون مراعاة فإنك ستبدو كقائدٍ عسكريٍ مستبد! وإذا كنت شديد المراعاة دونَ تطلَّب فإنَّك ستبدو ضعيفاً تائهاً وفي كلتا الحالتين لن يرحب أحدٌ باتباعك! إنَّ الناس يريدون قائداً ناقداً وعطوفاً، ودوداً وذكياً صريحاً، إنهم يريدون متحدياً داعماً!
إنَّ القائد الحقيقي ليس الذي يبني شركة ناجحة وإنما هوَ من يبني منظمةً ناجحة تقدرُ على بناء وتسيير العديد من الأعمال الناجحة. وهكذا عليك التركيز على بناء المجموعة وعليك الاستعداد لأن يكونَ نجاحُ هذه المجموعة هو مصدر سرورك و فخرك ورضاك! وتحقيقُ ذلك مرهونٌ بمواقفك وسلوكك وهو ليس مجرّد موهبةً فطريةً لا يدَ لكَ في حضورها أو غيابها!
تأليف: الأستاذ معتز حبش