عراقيل الإصغاء المثمر في مكان العمل
عراقيل الإصغاء المثمر في مكان العمل.. هل تصغي لتتفهم أم لتتكلم؟
البروفيسور ديفيد وولف
في مكان العمل لا يمكن للمرء اكتساب احترام وثقة الزملاء ما لم يطور مقدرة الإصغاء الحقيقي إليهم ومقدرة التجاوب بطريقة تبين أنه يسمع ويستوعب ويهتم بما يقال، كما تجذب هذه المهارة أنظار الرؤساء والمشرفين إلى صاحبها كمورد نفيس ينبغي الحفاظ عليه وتثميره.
راجعت أكثر من خمسة وثلاثين بحثاً تخلص كلها إلى اعتبار الإصغاء ضمن المهارات الخمس الأعظم أهمية للنجاح في العمل، وسوف يدهشك كما يدهشني ما تراه من ضآلة عدد الناس الذين تلقوا تدريباً رسمياً على الإصغاء (اثنان بالمئة فقط في الشركات الأمريكية) وسوف يدهشك أن تبقى هذه العملية الأقل فهماً من بين عمليات التواصل على الرغم من أنها الأهم والأكثر استخدام.
إننا نستخدم الإصغاء في مكان العمل أكثر من الكلام بثلاث مرات على الأقل وأكثر من القراءة والكتابة بأربع مرات أو خمس.
– هل نصغي لنفهم ونفهم أم لنبحث عن فرصة لنقول ما نحب؟
كثيراً ما يحدث أن نقوم بالاستماع لما يقوله محدثنا استماعاً غير منتبه انتباهاً كاملاً ولا متفهم لموقف المتكلم ومشاعره ودوافعه، وعندما يكون إصغاءنا على هذا النحو فإن إصدارنا لعراقيل التواصل سيكون هو الأكثر احتمالاً.
إن الاستجابات المعرقلة لن تفيد المتكلم لأنها تنطلق من غرض مبيت؛ إنها تركز على الحديث عن أنفسنا وليس على محدثنا الذي يعبر عن نفسه أمامنا، مثلاً: تركز على طمأنة المتكلم لأن رؤيتك لإحباطه ومرارته تبث فيك القلق، في حين أن الذي يريده محدثك هو التفهم والسعي إلى حل المشكلة.
أحد أهم مفاتيح الإصغاء المثمر هو الفصل بين مشاعرك وأغراضك وبين مشاعر محدثك أو مشكلته، فعندئذ يمكنك الإصغاء بهدوء ثم الاستجابة بطريقة بناءة تستهدف بدقة المشكلة المعروضة.
تخيل نفسك في موقع المتلقي في هذا الموقف الافتراضي النموذجي لمكان العمل، كيف ستستمع؟ وما هو ردك المحتمل؟
في اجتماع العمل أكثر المدير “فلان” من مقاطعة أحد زملاء العمل ثم عمد في النهاية إلى قمع مشاركته على الرغم من تحمس ذلك الزميل للمشاركة بعض الأفكار الجديدة..
بعد الاجتماع يأتي إليك هذا الزميل ويقول: “هل تصدق كيف جرى ذلك الاجتماع؟ كيف يفكر فلان؟ إنه لا يبالي بأية فكرة يريد أن يعبر عنها أي إنسان غيره.. هل رأيت معاملته المحترمة لي؟! سوف أترك هذا المكان فوراً قبل أن يهدر كل احترامي لنفسي”
فيما يلي عشر استجابات يمكن توجيهها إلى زميلك، اقرأ كلاً منها ثم تمعن في تفاعلك التلقائي معها:
1 – ينبغي أن تجلس معه جلسة هادئة وتناقشه، إن كليكما بحاجة إلى تصفية الأجواء، ويجب عليك إطلاق حوار معه في أقرب فرصة ممكنة.
2 – مع موقف كهذا فإنك يا صديقي سوف تطرد من العمل قبل أن تتاح لك الاستقالة بنفسك.
3 – إن مجرد مرورك بتجربة مزعجة في هذا الاجتماع ليس مبرراً معقولاً لترك الشركة.
4- هيا هيا لا تتوقف عند هذه المشكلة، إنني أعلم كم أنت صلب ومتسامح.. إنك من أفضل العاملين في هذا المكتب.
5- إيه.. لا تقلق سوف تسير الأمور على ما يرام.
6 – هذه هي الحياة، يجب أن تتقبلها كما هي.. بين أيام العسل لابد من بعض البصل.
7- يبدو لي أن لديك عقدة ما في التعامل مع السلطات الممارسة عليك، ربما هي ناشئة عن غيظ متراكم مكبوت تجاه والديك المتسلطين.
8 – اسمع! هل تذكر المطعم الذي تغدينا فيه غداءً رائعاً الأسبوع الماضي؟ فلنذهب إليه اليوم.
9 – بصراحة! لقد كنت متأخراً جداً في إنجاز التقارير الأخيرة، ولذلك فإنني لا أراك في موقع يسمح لك بتوجيه اللوم إلى الآخرين، ثم يجب عليك أن تكون أن تكون أكثر حزماً واعتداداً بنفسك وأن تفصح عما في نفسك بنفسك.
10- كف عن ذلك! يا لك من نواحة ندابة!
– استكشاف الاستجابات المعرقلة:
إن كل الاستجابات السابقة هي استجابات معرقلة، عقبات ولیست جسوراً، إن هذه المحاولات “للمساعدة” تمثل الطرق النموذجية السائدة لاستجابة الناس في مواجهة موقف مشحون عاطفياً لدى محدثيهم من زملاء العمل.
والقائمة التالية توصف هذه الاستجابات المعرقلة الشائعة:
- النصيحة
- التحذير
- المحاكمة المنطقية
- المدح
- الطمأنة وبث الثقة
- الفلسفة
- التحليل النفسي
- التغطية وتضييع الموضوع
- النقد
- التجريح والإساءة
لاحظ كيف أن أياً من الاستجابات المعرقلة السابقة لا تساعد زميلك على استكشاف مشاعره بعمق ودقة، ولا على تحديد ما ينبغي عليه القيام به استجابة للموقف.
وبالإضافة إلى المعرقلات المذكورة في اللائحة السابقة ينبغي الحذر من استجابات الهجوم، أو الدفاع، أو الإنكار، أو مسايرة مشاعر المتحدث، أو تصنيف الناس ودمغهم، أو الوعظ في غير محله لمن لم يطلبه ولا يستقبله، أو التهديد، أو إلقاء الإيعازات.
ومن المهم أن نلاحظ هنا أن معظم تلك الاستجابات لها مواضعها ضمن عملية التواصل السليمة ولكن لا يصح أن تكون هي الافتتاحية في التجاوب مع موقف مشحون عاطفياً من مواقف مكان العمل.
الطريقة المثلى حتى تكون مستمعاً فعالاً هي أن تحافظ على حياديتك عاطفياً ثم تحاول صياغة ما سمعته بكلماتك أنت.
وهكذا فإن الرد الافتتاحي المتفهم لمثالنا السابق يمكن أن يكون:
“أنت غاضب لأنك تشعر بأن المشرف لا يبالي بأحد، ويتهرب عامداً من تلقي مقترحاتك؟”
إن هذه الاستجابة تجعل صديقك يعرف أنك فهمت ما أراد قوله على النحو الذي أراده، أو أن عليه توضيح كلامه، وإعادة كلام المرء إليه بصياغة الآخرين تفتح حواراً يمكن المتكلم من تناول مشكلته خطوة خطوة بمساعدة من يحاوره.
إن إدامة التدرب على هذا النوع من الانتباه والاستجابة الواعية سوف ترفع من فعاليتك في الإصغاء المجدي في مكان العمل، وتجعلك أكثر قيمة كزميل أو مدير.
مجلة عالم الإبداع
العدد 46