كل واحد منا يقع في أخطاء وعثرات مالية. لكن كثيراً من هذه الأخطاء يمكن اجتنابه إن كنا قادرين على تفهم كيفية تفكيرنا في إنفاق نقودنا. فيما يلي عشرة تحيزات أصلية في أدمغة البشر أظهرت الأبحاث السيكولوجية تأثيرها على أحكامنا، وكيف يمكننا تفاديها:
1. انحياز الوضع السائد
أحد أكبر الأسباب وراء خسارة الناس مالياً هو التصاقهم بما يعرفون، بالرغم من توفر خيارات أفضل بكثير. إننا نميل إلى اختيار الأشياء ذاتها التي اخترناها من قبل، ولا نتوقف عن فعل هذا حتى حين يتاح لنا خير منها من منتجات أو خدمات. وتبين الأبحاث المجراة على قرارات الاستثمار هذا الانحياز، فنرى الناس يتمسكون بخطط التوفير التقاعدي، والأسهم والقطاعات ذاتها.
التغيير صعب لأنه يقتضي مزيداً من الجهد ونحن نريد تجنب الندم على قراراتنا الماضية. لكن لا! تذكر أن هناك قيمة أفضل بانتظارك إن كنت مستعداً للتفتيش والنظر.
2. تبرير قرار الشراء بعد الشراء
بعد أن نشتري شيئاً غير مناسب، فإنّنا نمنطق ما فعلنا ونحاول إقناع أنفسنا بأنه خيار صحيح مناسب.
معظم الناس يرفضون تقبل أنهم ارتكبوا خطأ، خصوصاً في الشروات الكبيرة. يعرف المسوقون هذا، فتراهم يحاولون تشجيعم على ذلك، ويستخدمون أشياء مثل ضمانات إرجاع النقود. بعد أن تتخذ قراراً فإنك تمضي إلى إقناع نفسك بأنه القرار الصحيح، وتبدأ أيضاً بتقديره أكثر لأنه قرارك. حارب هذا! إن لم تكن الخدمات أو السلع التي اشتريتها مناسبة فأرجعها. النظم القضائية في معظم البلاد تتيح فترة خيار، فلا تحبس نفسك، افحص وأرجع ما لا يعجبك، فوراً. وتذكّر: الرجوع عن الشراء الخاطئ خير من التمادي فيه!
3. مصيدة النسبية
إن كانت يدك في ماء شديد الحرارة ثم وضعتها في ماء معتدل فستشعر بأنه ماء بارد. وفي موضوع الأسعار فإننا نفكر نحن البشر من منظور نسبي مشابه، والشركات والبائعون يعرفون هذا فترى الأسعار المنصوح باستخدامها في بيع المفرّق توضع مرتفعة جداً ليجري تخفيضها بعدئذ. وترى بعض الأطباق الباهظة على قوائم الطعام في المطاعم لا توضع على القائمة من أجل أن يطلبها أحد وإنما يحتفظون بها على كل حال كي تبدو أسعار الوجبات العادية معقولة بالمقارنة معها.
ويطلق على مصيدة النسبية اسم آخر هو “مصيدة المرساة Relativity Trap” فالسعر الذي نسمعه في سياق معين يمكن أن يعمل كمرساة تحدد نطاق تفكيرنا في دائرة لا نكاد نقوى على تجاوزها.
من السهل جداً إيقاع دماغك في مصيدة النسبية، ولكن الخروج منها ليس بالأمر المستعصي أبداً، من يريدون إيقاعك في المصيدة يطرحون أمامك خيارين كي تقبل على أحدهما متأثراً بمقارنته بالأخر، وكل ما عليك فعله أن تتعود توسيع الدائرة وتنظر بنفسك في مزيد من المقارنات التي لا يريدون لك النظر فيها.
مثلاً: استخدم مواقع تثقيف العملاء على الإنترنت للمقارنة بين مزايا السلع وأسعارها، أو حاول مقارنة سعر ما ستشتريه بأسعار لوازم حياتك اليومية: ترى هل يستحق جهاز التسلية الإلكتروني الجديد فعلاً أن ندفع من أجله بضعة أشهر من استهلاك أسرتنا للأجبان والألبان والخبز والخضار؟ أو قيمة كسوة كاملة من الثياب؟
4. تأثير الملكية
يرتفع تقديرنا لقيمة الأشياء بعد أن تصبح في ملكنا. وهكذا عندما نصبح في موقف بيع أشياء تخصنا نميل إلى وضع أسعار مغالية في الارتفاع. ولعل هذا هو السبب في رؤيتك بعض الأشياء المستعملة معروضة للبيع بأسعار لا تصدق.
خلافاً للبائعين المحترفين، يولد لدى الناس العاديين تعلقٌ عاطفيٌ بما يملكون.
ويعمل هذا التأثير في اتجاه معاكس أيضاً. فعندما يعرض الإنسان سعراً لشراء سلعة ما على موقع مزادات يمكن أن يتملكه شعور قريب من شعور امتلاكه تلك السلعة من قبل أن يشتريها فعلاً. وهكذا قد ينتهي به الأمر إلى شرائها بسعر يفوق سعرها السائد في السوق.
عندما تبيع وتشتري يجب عليك الاجتهاد في التخلص من تأثيرات المشاعر. تنبّه واذكر على الدوام: إن لم تكن ترسم لنفسك حدوداً بالأرقام فإن اندفاعك اللاواعي سيستولي عليك ويمضي بك وبنقودك إلى حيث لا يرضيك.
5. انحياز تعظيم حلاوة اليوم وتصغير مرارة الغد
يفضل البشر عموماً الحصول على حلاوة ما يشتهون فوراً وتأجيل مرارة ما لا يحبون إلى غد وبعد غد. يدعو الاقتصاديون هذه الظاهرة باسم “Hyperbolic discounting“.
في إحدى الدراسات تضمنت التجربة اختيار الطعام لوجبتين: وجبة اليوم ووجبة بعد أسبوع. وكانت النتيجة بشرية تماماً: اختارت أكثرية الناس الفواكه للأسبوع القادم، وأما اليوم فهات الشوكلاته!
الشيء ذاته يسري على النقود. يعرف المسوقون أننا نتحرق تحرقاً على الفوز بتنزيل أسعار فوري أمام أعيننا، وهكذا تراهم يخبّؤون الألم إلى وقت لاحق، كما يحدث في صفقات شراء الموبايلات، ولسوء الحظ فإن عروض “اشتر الآن، وادفع لاحقاً” كثيراً ما تكون صفقات تعيسة.
من طرق مقاومة دوامة الحلاوة العاجلة أن تفكر بنفسك المستقبلية في أثناء تفكيرك وصناعتك لقرار الشراء. تصور كيف سيتأثر ويرى “أنت المستقبلي” القرار الذي يتخذه “أنت الحاضر”. إن كان “أنت المستقبلي” يسوؤه هذا القرار فإياك أن تقدم عليه.
6. الخوف من الخسائر
يميل الناس إلى بيع الأشياء عندما ترتفع أسعارها ويمسكونها عندما تنخفض. هذا أحد مظاهر نزوعنا الطبيعي إلى اجتناب الخسائر. ولوحظ هذا التأثير في عدد من الدراسات على التبادل في أسواق الأسهم.
نعم إن انخفاض الأسعار قد يكون مؤشراً مهماً، لكن عليك أن تتذكر أيضاً: إن كنت تستطيع التغلب والخروج من سيطرة الخوف من الخسارة فغالباً ما ستجد نفسك في النهاية في وضع مالي أفضل.
7. الانحياز للمألوف
جزئياً، يرجع نجاح الإعلان في تأدية المطلوب منه إلى إعجابنا نحن البشر بما نعرف، حتى لو كانت معرفة غائمة شكلية. بل إننا نمضي -كما تبين دراسات- إلى اختيار أشياء مألوفة حتى لو وجدت أمامنا مؤشرات واضحة على أن هذا قد لا يكون الخيار الأمثل.
دائماً وأبداً تحقق من أنك تشتري ما تشتريه لأسباب صحيحة. مجرد اتّباعك للألفة مع الشيء لا يعني سوى أن المعلنين هم الرابحون. تفكر مثلاً: إن الشركات الأصغر التي لا تستطيع أو لا تريد أن تدفع أثمان الدعايات التلفزيونية الباهظة يمكن أن تقدم منتجات وخدمات أفضل، ألا يمكن هذا؟
8. استرجاع الماضي وتجميله
ينزع البشر إلى تذكر قراراتهم الماضية على صورة أفضل مما كانت عليه فعلاً. إنّنا ننحاز إلى اعتبار السيارة أو مكان السكن أو قضاء فترة الإجازة اختياراً جيداً. تبدو المشكلة في هذا النزوع عندما نقف ثانية أمام صناعة قرارات حاضرة مماثلة لقرارات ماضية، وهكذا ترى أحدنا ينتهي إلى ارتكاب الأخطاء المالية ذاتها مرة أخرى: ننسى أننا وقعنا في هذا الخطأ نفسه من قبل.
قبل صناعة قرار مالي مهم، اجتهد في الاسترجاع الدقيق للنتائج الحقيقية الفعلية لقراراتك الماضية. ما لم نكن متجردين من النظارات الوردية فإننا لا نستطيع النجاة من تكرار أخطائنا.
9. الانحياز للمجاني!
لكلمة “مجاني” تأثير سحري علينا، والمسوّقون يعرفون هذا حق المعرفة، إذ تبين أبحاث الاقتصاديات السلوكية أن البشر في بعض الأحيان يختارون صفقة تعيسة في مجملها لا لسبب إلا للحصول على شيء مجاناً.
عندما يعرض عليك شيء مجاني فعليك أن تضاعف الاحتياط، والحذر وأن تتذكر أن هذه التقدمة ربما تكون حلاوة مؤقتة تجذبك وتسكنك ريثما تبتلع صفقة لاذعة الحموضة.
10. انحياز ضبط النفس
يرجع كثير من المشكلات والأخطاء في الإنفاق والتصرفات المالية إلى خلل في ضبط النفس. يحلو لنا الظن بأننا نسيطر على أنفسنا كل السيطرة، لكننا عندما يواجهنا الإغراء نعجز. تبين الدراسات أن البشر مغرقون إغراقاً فادحاً في التفاؤل بمقدرتهم على ضبط أنفسهم.
وما العمل؟ طبعاً عليك تجنيب نفسك ظروف ومواقف التعرض للإغراء أصلاً، ونرى على سبيل المثال أن بعض الناس ينصحون بالتخلص من بطاقات الائتمان.
معظم البشر في معظم الأحوال أضعف مما يظنون، لذلك يجب أن نبدأ بالوقاية أولاً ونصون أنفسنا من مداخل وتسهيلات التعرض للإغراءات والتورط في قرارات وإنفاقات لا خير لنا فيها.