النظرة الخاطفة
خطر المحاكمة السريعة في التعامل مع الموظفين
سوزان هيثفيلد
هل تعتقد أن الأمر يستغرق دقيقتين أم ثلاثين ثانية؟
يؤكد المتحدثون المحترفون والمدربون المؤهلون دائماً على أن الأفراد يكونون فكرة سريعة عمن يقابلونهم من اللقاء الأول وخلال دقيقتين، بينما يرى آخرون أن الانطباع الأولي لا يستغرق أكثر من ثانيتين، إلا أن الحقيقة هي أن الأمر لا زال تحت البحث والتقييم.
يقول مالكوم غلادويل في كتابة (الرمشة: قوة التفكير دون تفكير) أن القرارات قد تتخذ بسرعة أكبر، ويعمل الفكر بوقت قياسي لا يتعدى بالتأكيد الدقيقتين، لقد كان للنتيجة التي وصل إليها أثر جدي على التنظيمات والشركات.
حسب البحث الذي أجراه غلادويل فنحن نفكر دون تفكير، نحن نخطف النظرة ونعالج شخصية من أمامنا بسرعة قياسية، أو واجهنا موقف جديد، يقول غلادويل: “تكون المحاكمات الخاطفة سريعة جداً، فهي تعتمد على أقل القليل من الخبرة.. بل إنها تأتي لا شعورية.. نحن نختطف الانطباع اختطافاً لأنه يتوجب علينا ذلك، لأننا نجد أنفسنا في وضع يحتم علينا الاعتماد على هذه القدرة، خاصةً عندما يكون هناك الكثير من القبضات المخبأة الجاهزة للانطلاق، والكثير من المواقف والأوضاع المشحونة بالترقب الحذر لتفاصيل كل نظرة خاطفة، حتى تلك الخطفات التي تستغرق ثانية أو ثانيتين”.
في كل مره يتوجب علينا أن نستشعر أوضاعاً معقدة، أو نتعامل مع الكثير من المعلومات بسرعة، تندلع دون شعور منا نحو معتقداتنا، ومواقفنا، وقسمنا وتجاربنا، وثقافتنا، ثم نخطف نظرة إلى الوضع لنفهمه أو نستوعبه بسرعة، ينطوي هذا المفهوم على معنى مدهش تعمل عليه انفعالاتنا الشخصية في معظم الحالات والمواقف.
يبدو لي أن القدرة على التفكير دون تفكير لاتخاد قرارات سريعة وخاطفة حول الأوضاع والأشخاص بطرفة عين لها تأثير كبير على الطريقة التي نقابل فيها المرشحين للوظائف وتوظيفهم، من جهة أخرى تسبب النظرة الخاطفة شيئا من الإرباك حول الطريقة التي نرى فيها أنفسنا وقدرتنا على التعامل مع الأشخاص الذين يختلفون عنا، كما أنها تؤثر على الطريقة التي نطور فيها علاقات الصداقة مع زملائنا في العمل من جهة، وعلى بناء علاقات العمل وشبکة العملاء من جهة أخرى.
إنها تؤثر على علاقتنا مع من نعتقد أنهم يخالفوننا أو يعارضوننا.
كيف نسيطر على النظرة الخاطفة؟
إلا أن غلادويل يمنحنا بصيصاً من نور، هو يعتقد أن قلقنا من أحكامنا التي نطلقها على الأفراد وعلى المواقف من خلال النظرة السريعة التي غالباً ما تكون واعية، يمكن أن تعطينا فرصة للتحكم بالاستجابة للنظرة السريعة وكيفية التعامل معها، على سبيل المثال: الاختبارات التي تجرى للموسيقيين المتقدمين للعمل في الأوركسترا تجري من وراء حجاب، بحيث لا يكون هناك أي تأثيرات أخرى يمكن أن تصدر عن لغة الجسد، أو العرق، أو الجنس، أو… كل ذلك يلغى بحيث يتمكن المختبر من التركيز على السماع فقط لانتقاء أفضل موسيقي.
في الوقت نفسه، قد تنقذ هذه المقدرة التي نمتلكها كبشر في إجراء محاكمات سريعة من النظرة الخاطفة صديقاً من خطر محدق، كما أن لها تأثيراً لا يستهان به على بناء العلاقات الشخصية، أو هدمها.. هي تجعلنا نميز المزيف من الصادق، تمكننا من تقييم المواقف و انتهاج سلوكيات معينة على وجه السرعة، بل إننا نستطيع في بعض الأحيان أن نتنبأ بمستقبل علاقتنا بشخص معين أو بمجموعة معينة، حتى لو كانت هذه المحاكمة الخاطفة خاطئة، ولكنها ستثبت لك فيما بعد أنها كانت ذات فائدة.
خطر المحاكمة السريعة في التعامل مع الموظفين
تطبيق قوة التفكير دون تفكير..
علينا أن ننتبه إلى هذا الأسلوب في التواصل – والذي عن غير إرادة منا – نتعامل به مع الأفراد والمواقف في كثير من الأحيان مما يؤثر على مواقفنا ومشاعرنا تجاههم، و هذا بالتالي ينعكس على قراراتنا، فالمتقدمين إلى العمل على سبيل المثال يجب أن تتم معاملتهم بشكل متكافىء ومتساو بغض النظر عن الشكل، اللون، العرق، الجنسية، الحجم، اللباس، والدين… إلا أن هذا لا يطبق على أرض الواقع.
عندما نريد اتخاذ أي قرار معتمدين على النظرة الأولى علينا أن ندرك أننا بهذا القرار نكون قد اعتمدنا على عملية لا إرادية وغير مدروسة!
خذ وقتك في جمع المعلومات والبيانات الضرورية قبل أن تمضي مع ردة الفعل الأولية الضيقة، فإمكانية كونك محقاً في محاكمتك الأولية تتساوى مع إمكانية كونك مخطئاً.
في بعض الأحيان أنت معرض مع هذا النوع من المحاكمات اللاإرادية، والتي يعلو فيها صوت الداخل دون قصد منك ربما، إلى اتخاذ قرارات متحيزة، والتي تؤدي إلى الوقوع في مطب اختيار موظف غير كفء، ومنح الثقة أو سحبها من هذا الموظف أو ذاك، ومحاكمة القصص والمواقف المروية بشكل خاطئ، نحن دائماً نواجه تحديات العمل مع أفراد يختلفون عنا.
هل يمكننا أن نثق بالنظرة الأولى؟
ومع خطورة هذا النوع من المحاكمة، يخبرنا غلادويل أنه في بعض الأحيان يكون انطباع النظرة الأولى صحيحاً، بل من الضروري الاعتماد عليه واتخاد قرارات بناء عليه، ويسوق غلادويل مثالاً عن قصة متحف جيتي الذي اشتری تحفة إغريقية ليكتشف أنها لم تكن سوى تحفة مزورة، كان العديد من الخبراء قد فحصوا التحفة وأجروا اختبارات على مادتها ليجمعوا في النهاية على وثوقيتها ويؤكدون أنها تمثال موثوق، إلا أن آخرين مهتمون بالفن، ويعملون بالآثار ربما كان لديهم تحفظات على هذه التحفة، فقد أدلى أحدهم بتصريح يفيد بأنه يشك بأن هذه التحفة لا تبدو قديمة، بل إنها تحمل علامات تشير إلى أنها صنعت حديثاً، بينما أظهر آخر شكوكه بشكل غير مباشر عندما وجه سؤاله للقائمين على المتحف قائلاً: أنتم لم تشتروه بعد أليس كذلك؟
يشجعنا غلادويل على صقل قدرتنا على المحاكمة السريعة، وذلك من خلال التأني قبل إطلاق حكمنا على الأفراد الذين لا يشبهوننا ولا يحملون أفكارنا.
إذا كانت المحاكمة السريعة جيدة في بعض الأمور، مثل الأعمال الفنية أو حالات معينة كاحتراق مبنى، أو مواجهة متهم خارج القانون، أو تقييمات فورية لحالات الأمان في العمل، فإن الاهتمام العميق في هذا المجال يساعدك لتصبح محترفاً في هذا النوع من المحاكمات، كما تساعدك سنوات من الخبرة و الدراسة.
مجلة عالم الإبداع
العدد 32